وقد ساق القرطبي عند تفسيره لهذه الآية جملة من الأحاديث فقال : وفي صحيح مسلم عن أبى ذر قال سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قوله ـ تعالى ـ : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) قال مستقرها تحت العرش.
ولفظ البخاري عن أبى ذر قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم لي حين غربت الشمس. «تدرى أين تذهب»؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها. فقال لها : ارجعي من حيث جئت. فتطلع من مغربها. فذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) (١).
واسم الإشارة في قوله (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) يعود الى الجري المفهوم من «تجرى».
أى : ذلك الجريان البديع العجيب المقدر الشمس ، تقدير الله ـ تعالى ـ العزيز الذي لا يغلبه غالب ، العليم بكل شيء في هذا الكون علما لا يخفى معه قليل أو كثير من أحوال هذا الكون.
ثم ذكر ـ سبحانه ـ آية أخرى تتعلق بكمال قدرته فقال : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ ..).
ولفظ القمر قرأه جمهور القراء بالنصب على أنه مفعول لفعل محذوف يفسره ما بعده.
والمنازل جمع منزل. والمراد بها أماكن سيره في كل ليلة ، وهي ثمان وعشرون منزلا ، تبدأ من أول ليلة في الشهر ، إلى الليلة الثامنة والعشرين منه. ثم يستتر القمر ليلتين إن كان الشهر تاما. ويستتر ليلة واحدة إن كان الشهر تسعا وعشرين ليلة.
أى : وقدرنا سير القمر في منازل ، بأن ينزل في كل ليلة في منزل لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه ، إذ كل شيء عندنا بمقدار ..
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو «والقمر» بالرفع على الابتداء ، وخبره جملة «قدرناه».
قال الآلوسى ما ملخصه. قوله : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) ـ بالنصب ـ أى : وصيرنا سيره ، أى : محله الذي يسير فيه «منازل» فقدّر بمعنى صيّر الناصب لمفعولين. والكلام على
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٥ ص ١٧ وابن كثير ج ٦ ص ٥٦٢.