حذف مضاف ، والمضاف المحذوف مفعوله الأول و (مَنازِلَ) مفعوله الثاني.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو : (وَالْقَمَرَ) بالرفع ، على الابتداء ، وجملة (قَدَّرْناهُ) خبره.
والمنازل : جمع منزل ، والمراد به المسافة التي يقطعها القمر في يوم وليلة (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) تصوير بديع لحالة القمر وهو في آخر منازله.
والعرجون : هو قنو النخلة ما بين الشماريخ إلى منبته منها ، وهو الذي يحمل ثمار النخلة سواء أكانت تلك الثمار مستوية أم غير مستوية. وسمى عرجونا من الانعراج ، وهو الانعطاف والتقوس ، شبه به القمر في دقته وتقوسه واصفراره.
أى : وصيرنا سير القمر في منازل لا يتعداها ولا يتقاصر عنها ، فإذا صار في آخر منازله ، أصبح في دقته وتقوسه كالعرجون القديم ، أى : العتيق اليابس.
قال بعض العلماء : والذي يلاحظ القمر ليلة بعد ليلة. يدرك ظل التعبير القرآنى العجيب (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) وبخاصة ظل ذلك اللفظ «القديم». فالقمر في لياليه الأولى هلال. وفي لياليه الأخيرة هلال. ولكنه في لياليه الأولى يبدو وكأن فيه نضارة وقوة. وفي لياليه الأخيرة يطلع وكأنما يغشاه سهوم ووجوم ، ويكون فيه شحوب وذبول. ذبول العرجون القديم. فليست مصادفة أن يعبر القرآن عنه هذا التعبير الموحى العجيب (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ، وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ ، وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) بيان لدقة نظامه ـ سبحانه ـ في كونه ، وأن هذا الكون الهائل يسير بترتيب في أسمى درجات الدقة ، وحسن التنظيم.
أى : لا يصح ولا يتأتى للشمس أن تدرك القمر في مسيره فتجتمع معه بالليل.
وكذلك لا يصح ولا يتأتى الليل أن يسبق النهار ، بأنه يزاحمه في محله أو وقته ، وإنما كل واحد من الشمس والقمر ، والليل والنهار ، يسير ، في هذا الكون بنظام بديع قدره الله ـ تعالى ـ له ، بحيث لا يسبق غيره ، أو يزاحمه في سيره.
قال الإمام ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) قال
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٣ ص ١٦.
(٢) تفسير في ظلال القرآن ج ٢٣ ص ٢٥.