وحصول الزينة فيها ومزيد القوّة لها. وقيل : إن المراد بكونهم في قول مختلف أن بعضهم ينفي الحشر وبعضهم يشكّ فيه ، وقيل : كونهم يقرّون أن الله خالقهم ويعبدون الأصنام (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) أي : يصرف عن الإيمان برسول الله صلىاللهعليهوسلم وبما جاء به ، أو عن الحقّ ، وهو البعث والتوحيد من صرف. وقيل : يصرف عن ذلك الاختلاف من صرفه الله عنه بالعصمة والتوفيق ، يقال : أفكه يأفكه أفكا ، أي : قلبه عن الشيء ، وصرفه عنه ، ومنه قوله تعالى : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا) (١) وقال مجاهد : يؤفن عنه من أفن ، والأفن : فساد العقل ، وقيل : يحرمه من حرم. وقال قطرب : يخدع عنه من خدع. وقال اليزيدي : يدفع عنه من دفع (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) هذا دعاء عليهم. وحكى الواحدي عن المفسرين جميعا أن المعنى : لعن الكذابون. قال ابن الأنباري : والقتل إذا أخبر به عن الله كان بمعنى اللعن ؛ لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك. قال الفرّاء : معنى «قتل» : لعن. والخرّاصون : الكذابون الذين يتخرّصون فيما لا يعلمون ، فيقولون : إن محمدا مجنون ، كذّاب ، شاعر ، ساحر. قال الزجاج : الخرّاصون : هم الكذابون ، والخرص : حزر ما على النخل من الرّطب تمرا ، والخرّاص : الّذي يخرصها ، وليس هو المراد هنا. ثم قال : (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) أي : في غفلة وعمى وجهالة عن أمور الآخرة. ومعنى ساهون : لاهون غافلون ، والسهو : الغفلة عن الشيء وذهابه عن القلب ، وأصل الغمرة ما ستر الشيء وغطّاه ، ومنها غمرات الموت (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) أي : يقولون متى يوم الجزاء تكذيبا منهم واستهزاء. ثم أخبر سبحانه عن ذلك اليوم فقال : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) أي : يحرقون ويعذّبون ، يقال : فتنت الذهب ؛ إذا أحرقته لتختبره ؛ وأصل الفتنة : الاختبار. قال عكرمة : ألم تر أن الذهب إذا أدخل النار قيل : فتن. وانتصاب يوم بمضمر : أي الجزاء : يوم هم على النار ، ويجوز أن يكون بدلا من يوم الدين ، والفتح للبناء لكونه مضافا إلى الجملة ، وقيل : هو منصوب بتقدير أعني. وقرأ ابن أبي عبلة برفع (يَوْمَ) على البدل من يوم الدين ، وجملة : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) هي بتقدير القول ، أي : يقال لهم ذوقوا عذابكم ، قاله ابن زيد. وقال مجاهد : حريقكم ، ورجح الأوّل الفرّاء ، وجملة (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) من جملة ما هو محكيّ بالقول ، أي : هذا ما كنتم تطلبون تعجيله استهزاء منكم ، وقيل : هي بدل من فتنتكم (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) لما ذكر سبحانه حال أهل النار ذكر حال أهل الجنة ، أي : هم في بساتين فيها عيون جارية لا يبلغ وصفها الواصفون (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) أي : قابلين ما أعطاهم ربّهم من الخير والكرامة ، وجملة (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) تعليل لما قبلها ، أي : لأنهم كانوا في الدنيا محسنين في أعمالهم الصالحة من فعل ما أمروا به ، وترك ما نهوا عنه. ثم بيّن إحسانهم الّذي وصفهم به فقال : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) الهجوع : النوم بالليل دون النهار ، والمعنى : كانوا قليلا ما ينامون من الليل ، و «ما» زائدة ، ويجوز أن تكون مصدرية أو موصولة ، أي : كانوا قليلا من الليل هجوعهم أو ما يهجعون فيه ، ومن ذلك قول أبي قيس بن الأسلت :
__________________
(١). الأحقاف : ٢٢.