وانتصاب «أمرا» على المفعول به ، وقيل : على الحال ، أي : مأمورة ، والأوّل أولى (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) هذا جواب القسم ، أي : إنما توعدون من الثواب والعقاب لكائن لا محالة. وما يجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف ، وأن تكون مصدرية. ووجه تخصيص هذه الأمور بالإقسام بها كونها أمورا بديعة مخالفة لمقتضى العادة ، فمن قدر عليها فهو قادر على البعث الموعود به (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) قرأ الجمهور : (الْحُبُكِ) بضم الحاء والباء ، وقرئ بضم الحاء وسكون الباء وبكسر الحاء وفتح الباء ، وبكسر الحاء وضم الباء. قال ابن عطية : هي لغات ، والمراد بالسماء هنا هي المعروفة ، وقيل : المراد بها السحاب ، والأوّل أولى.
واختلف المفسرون في تفسير الحبك ؛ فقال مجاهد وقتادة والربيع وغيرهم : المعنى ذات الخلق المستوي الحسن. قال ابن الأعرابي : كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد حبكته واحتبكته. وقال الحسن وسعيد ابن جبير : ذات الزينة. وروي عن الحسن أيضا أنه قال : ذات النجوم. وقال الضحاك : ذات الطرائق ، وبه قال الفراء ، يقال لما تراه من الماء والرمل إذا أصابته الريح : حبك. قال الفراء : الحبك تكسّر كل شيء كالرمل إذا مرّت به الريح الساكنة ، والماء إذا مرّت به الرّيح ، ويقال لدرع الحديد : حبك ، ومنه قول الشاعر :
كأنّما جلّلها الحوّاك |
|
طنفسة في وشيها حباك |
أي : طرق ، وقيل : الحبك الشدّة ، والمعنى : والسماء ذات الشدّة ، والمحبوك : الشديد الخلق من فرس أو غيره ، ومنه قول الشاعر :
قد غدا يحملني في أنفه |
|
لاحق الإطلين (١) محبوك ممر |
وقول الآخر (٢) :
مرج الدّين فأعددت له |
|
مشرف الحارك محبوك الكتد (٣) |
قال الواحدي بعد حكاية القول الأوّل : هذا قول الأكثرين (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) هذا جواب القسم بالسماء ذات الحبك. أي : إنكم يا أهل مكة لفي قول مختلف متناقض في محمد صلىاللهعليهوسلم. بعضكم يقول : إنه شاعر. وبعضكم يقول : إنه ساحر ، وبعضكم يقول : إنه مجنون. ووجه تخصيص القسم بالسماء المتّصفة بتلك الصفة تشبيه أقوالهم في اختلافها باختلاف طرائق السماء ، واستعمال الحبك في الطرائق هو الّذي عليه أهل اللغة ، وإن كان الأكثر من المفسرين على خلافه. على أنه يمكن أن ترجع تلك الأقوال في تفسير الحبك إلى هذا ، وذلك بأن يقال : إن ما في السماء من الطرائق يصحّ أن يكون سببا لمزيد حسنها واستواء خلقها
__________________
(١). «الإطل» : الخاصرة.
(٢). هو أبو دؤاد.
(٣). «الكتد» : هو مجتمع الكتفين من الإنسان والفرس.