ابن الخطاب وحميد وابن محيصن ومجاهد والكسائي «الصّعقة». وقد مرّ الكلام على الصاعقة في البقرة ، وفي مواضع (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) أي : يرونها عيانا ، والجملة في محل نصب على الحال ، وقيل : إن المعنى : ينتظرون ما وعدوه من العذاب ، والأوّل أولى (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) أي : لم يقدروا على القيام. قال قتادة : من نهوض ، يعني لم ينهضوا من تلك الصرعة ، والمعنى : أنهم عجزوا عن القيام فضلا عن الهرب ، ومثله قوله : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) (١). (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) أي : ممتنعين من عذاب الله بغيرهم (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل هؤلاء المهلكين ، فإن زمانهم متقدّم على زمن فرعون وعاد وثمود (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) أي : خارجين عن طاعة الله. قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو بخفض قوم أي : وفي قوم نوح آية ، وقرأ الباقون بالنصب ، أي : وأهلكنا قوم نوح ، أو هو معطوف على مفعول أخذتهم الصاعقة ، أو على مفعول نبذناهم ، أي : نبذناهم ونبذنا قوم نوح ، أو يكون العامل فيه اذكر (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) أي : بقوّة وقدرة ، قرأ الجمهور بنصب السماء على الاشتغال ، والتقدير : وبنينا السماء بنيناها. وقرأ أبو السمال وابن مقسم برفعها على الابتداء (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الموسع : ذو الوسع والسعة ، والمعنى : إنا لذو سعة بخلقها وخلق غيرها لا نعجز عن ذلك ، وقيل : لقادرون ، من الوسع بمعنى الطاقة والقدرة ، وقيل : إنا لموسعون الرزق بالمطر. قال الجوهري : وأوسع الرجل : صار ذا سعة وغنى (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) قرأ الجمهور بنصب (الْأَرْضَ) على الاشتغال. وقرأ أبو السمال وابن مقسم برفعها ، كما تقدّم في قوله : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها) ومعنى فرشناها : بسطناها كالفراش (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) أي : نحن ، يقال : مهدت الفراش : بسطته ووطّأته ، وتمهيد الأمور : تسويتها وإصلاحها (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) أي : صنفين ونوعين من ذكر وأنثى ، وبرّ وبحر ، وشمس وقمر ، وحلو ومرّ ، وسماء وأرض ، وليل ونهار ، ونور وظلمة ، وجنّ وإنس ، وخير وشر (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي : خلقنا ذلك هكذا لتتذكروا فتعرفوا أنه خالق كل شيء ، وتستدلوا بذلك على توحيده وصدق وعده ووعيده (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي : قل لهم يا محمد : ففرّوا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم عن الكفر والمعاصي ، وجملة (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) تعليل للأمر بالفرار ، وقيل : معنى : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) اخرجوا من مكة. وقال الحسين بن الفضل : احترزوا من كل شيء غير الله ، فمن فرّ إلى غيره لم يمتنع منه. وقيل : فرّوا من طاعة الشيطان إلى طاعة الرّحمن ، وقيل : فرّوا من الجهل إلى العلم ، ومعنى (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ) أي : من جهته منذر بيّن الإنذار (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) نهاهم عن الشرك بالله بعد أمرهم بالفرار إلى الله ، وجملة : (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) تعليل للنهي (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) في هذا تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ببيان أن هذا شأن الأمم المتقدمة ، وأن ما وقع من العرب من التكذيب لرسول الله ، ووصفه بالسحر والجنون ، قد كان ممّن قبلهم لرسلهم ، و (كَذلِكَ) في محل رفع على أنه
__________________
(١). الأعراف : ٧٨.