وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ) يقول : على هدى من أمر دينه. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) قال : المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن ، والكافر في الدنيا والآخرة كافر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عباس في قوله : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) قال : ذاك الكافر اتخذ دينه بغير هدى من الله ولا برهان (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) يقول : أضله في سابق علمه. وأخرج النسائي وابن جرير وابن المنذر ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عنه قال : كان الرّجل من العرب يعبد الحجر ، فإذا وجد أحسن منه أخذه وألقى الآخر ، فأنزل الله : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : كان أهل الجاهلية يقولون : إنما يهلكنا الليل والنهار ، فقال الله في كتابه : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) قال الله : يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر أقلّب الليل والنهار. وأخرج البخاري ومسلم وغير هما من حديث أبي هريرة : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «قال الله عزوجل : يؤذيني ابن آدم يسبّ الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر أقلّب اللّيل والنّهار».
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧))
لما ذكر سبحانه ما احتجّ به المشركون وما أجاب به عليهم ذكر اختصاصه بالملك ، فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : هو المتصرّف فيهما وحده ، لا يشاركه أحد من عباده. ثم توعّد أهل الباطل فقال : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) أي : المكذّبون الكافرون المتعلّقون بالأباطيل ، يظهر في ذلك اليوم خسرانهم لأنهم يصيرون إلى النار ، والعامل في «يوم» هو «يخسر» ، و «يومئذ» بدل منه ، والتنوين للعوض عن المضاف إليه المدلول عليه بما أضيف إليه المبدل منه ، فيكون التقدير : ويوم تقوم الساعة يوم تقوم الساعة ، فيكون بدلا توكيديا ، والأولى أن يكون العامل في يوم هو ملك ، أي : ولله ملك يوم تقوم الساعة ، ويكون «يومئذ» معمولا ليخسر : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) الخطاب لكلّ من يصلح له ،