أو للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والأمة : الملة ، ومعنى جاثية : مستوفزة ، والمستوفز : الذي لا يصيب الأرض منه إلا ركبتاه وأطراف أنامله ، وذلك عند الحساب. وقيل : معنى جاثية : مجتمعة ، قال الفراء : المعنى وترى أهل كلّ ذي دين مجتمعين. وقال عكرمة : متميّزة عن غيرها. وقال مؤرّج : معناه بلغة قريش : خاضعة. وقال الحسن : باركة على الركب. والجثو : الجلوس على الركب ، تقول. جثا يجثو ويجثي جثوّا وجثيّا ؛ إذا جلس على ركبتيه ، والأوّل أولى. ولا ينافيه ورود هذا اللفظ لمعنى آخر في لسان العرب. وقد ورد إطلاق الجثوة على الجماعة من كل شيء في لغة العرب ، ومنه قول طرفة يصف قبرين :
ترى جثوتين من تراب عليهما |
|
صفائح صمّ من صفيح منضّد (١) |
وظاهر الآية أنّ هذه الصفة تكون لكل أمة من الأمم من غير فرق بين أهل الأديان المتبعين للرسل وغيرهم من أهل الشرك. وقال يحيى بن سلام : هو خاصّ بالكفار ، والأوّل أولى. ويؤيده قوله : (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) ولقوله فيما سيأتي : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) ، ومعنى (إِلى كِتابِهَا) : إلى الكتاب المنزّل عليها ، وقيل : إلى صحيفة أعمالها ، وقيل : إلى حسابها ، وقيل : اللوح المحفوظ ، والأوّل أولى. قرأ الجمهور «كلّ أمة» بالرفع على الابتداء ، وخبره : تدعى. وقرأ يعقوب الحضرمي بالنصب على البدل من كل أمة. (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي : يقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون من خير وشرّ (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) هذا من تمام ما يقال لهم ، والقائل بهذا هم الملائكة. وقيل : هو من قول الله سبحانه ، أي : يشهد عليكم ، وهو استعارة ، يقال : نطق الكتاب بكذا ، أي : بين ، وقيل : إنهم يقرءونه فيذكرون ما عملوا ، فكأنه ينطق عليهم بالحق الذي لا زيادة فيه ولا نقصان ، ومحل «ينطق» بالنصب على الحال ، أو الرفع على أنه خبر آخر لاسم الإشارة ، وجملة (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) تعليل للنطق بالحقّ ، أي : نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم ، أي : بكتبها وتثبيتها عليكم. قال الواحدي : وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ ، فإن الملائكة تكتب منه كل عام ما يكون من أعمال بني آدم ، فيجدون ذلك موافقا لما يعملونه. قالوا : لأن الاستنساخ لا يكون إلا من أصل. وقيل : المعنى : نأمر الملائكة بنسخ ما كنتم تعملون. وقيل : إن الملائكة تكتب كل يوم ما يعمله العبد ، فإذا رجعوا إلى مكانهم نسخوا منه الحسنات والسيئات وتركوا المباحات. وقيل : إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله سبحانه أمر عزوجل أن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب ، ويسقط منها ما لا ثواب فيه ولا عقاب (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ) أي : الجنة ، وهذا تفصيل لحال الفريقين ، فالمؤمنون يدخلهم الله برحمته الجنة (ذلِكَ) أي : الإدخال في رحمته (هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) أي : الظاهر الواضح (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ) أي : فيقال لهم ذلك ، وهو استفهام توبيخ ، لأن الرسل قد أتتهم وتلت عليهم آيات الله ، فكذّبوها ولم يعملوا بها (فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ) أي : تكبّرتم عن قبولها وعن الإيمان بها ،
__________________
(١). «الصم» : الصلب. «المنضد» : الذي جعل بعضه على بعض.