وكنتم من أهل الإجرام ، وهي الآثام ، والاجترام : الاكتساب ، يقال : فلان جريمة أهله ؛ إذا كان كاسبهم ، فالمجرم : من كسب الآثام بفعل المعاصي (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي : وعده بالبعث والحساب ، أو بجميع ما وعد به من الأمور المستقبلة ، واقع لا محالة (وَالسَّاعَةُ) أي : القيامة (لا رَيْبَ فِيها) أي : في وقوعها. وقرأ الجمهور «والساعة» بالرفع على الابتداء ، أو العطف على موضع اسم إن ، وقرأ حمزة بالنصب عطفا على اسم إن (قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ) أي : أيّ شيء هي؟ (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) أي : نحدس حدسا ، نتوهم توهّما. قال المبرّد : تقديره : إن نحن إلا نظنّ ظنا ، وقيل : التقدير : إن نظنّ إلا أنكم تظنون ظنا ، وقيل : إن نظنّ مضمن معنى نعتقد ، أي : ما نعتقد إلا ظنا لا علما ، وقيل : إن «ظنا» له صفة مقدّرة ، أي : إلا ظنّا بيّنا ، وقيل : إن الظنّ يكون بمعنى العلم والشك ، فكأنهم قالوا : ما لنا اعتقاد إلا الشك (وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) أي : لم يكن لنا يقين بذلك ، ولم يكن معنا إلا مجرّد الظنّ أن الساعة آتية (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) أي : ظهر لهم سيئات أعمالهم على الصورة التي هي عليها (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : أحاط بهم ، ونزل عليهم جزاء أعمالهم بدخولهم النار (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) أي : نترككم في النار كما تركتم العمل لهذا اليوم ، وأضاف اللقاء إلى اليوم توسّعا ، لأنه أضاف إلى الشيء ما هو واقع فيه (وَمَأْواكُمُ النَّارُ) أي : مسكنكم ومستقرّكم الذي تأوون إليه (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ينصرونكم فيمنعون عنكم العذاب (ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً) أي : ذلكم العذاب بسبب أنكم اتخذتم القرآن هزوا ولعبا (وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) أي : خدعتكم بزخارفها وأباطيلها ، فظننتم أنه لا دار غيرها ولا بعث ولا نشور (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها) أي : من النار. قرأ الجمهور «يخرجون» بضم الياء وفتح الراء مبنيا للمفعول ، وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وضمّ الرّاء مبنيا للفاعل ، والالتفات من الخطاب إلى الغيبة لتحقيرهم (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) أي : لا يسترضون ويطلب منهم الرجوع إلى طاعة الله ؛ لأنه يوم لا تقبل فيه توبة ولا تنفع فيه معذرة (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) لا يستحقّ الحمد سواه. قرأ الجمهور «رب» في المواضع الثلاثة بالجرّ على الصفة للاسم الشريف. وقرأ مجاهد وحميد وابن محيصن بالرفع في الثلاثة على تقدير مبتدأ ، أي : هو ربّ السماوات إلخ (وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : الجلال والعظمة والسلطان ، وخصّ السماوات والأرض لظهور ذلك فيهما (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي : العزيز في سلطانه. فلا يغالبه مغالب ، الحكيم في كل أفعاله وأقواله وجميع أقضيته.
وقد أخرج سعيد بن منصور ، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في البعث ، عن عبد الله بن باباه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كأني أراكم بالكوم دون جهنم جاثين ، ثم قرأ سفيان (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً)». وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في قوله : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) قال : كل أمة مع نبيها حتى يجيء رسول الله صلىاللهعليهوسلم على كوم ، قد علا الخلائق ، فذلك المقام المحمود. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) قال : هو أمّ الكتاب ، فيه أعمال بني