وكذا قال عكرمة. وقال الكلبي : خزائن المطر والرزق (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) أي : المسلّطون الجبّارون. قال في الصّحاح : المسيطر : المسلّط على الشيء ليشرف عليه ، ويتعهد أحواله ، ويكتب عمله ، وأصله من السّطر لأن الكتاب يسطّر. وقال أبو عبيدة : تسيطرت عليّ : اتّخذتني خولا لك. قرأ الجمهور «المصيطرون» بالصاد الخالصة ، وقرأ ابن محيصن وحميد ومجاهد وقنبل وهشام بالسين الخالصة ، ورويت هذه القراءة عن حفص ، وقرأ خلاد (١) بصاد مشمّة زايا (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) أي : بل أيقولون إن لهم سلما منصوبا إلى السماء يصعدون به ، ويستمعون فيه كلام الملائكة وما يوحى إليهم ، ويصلون به إلى علم الغيب كما يصل إليه محمد صلىاللهعليهوسلم بطريق الوحي. وقوله : (فِيهِ) صفة لسلم ، وهي للظرفية على بابها ، وقيل : هي بمعنى على ، أي : يستمعون عليه كقوله : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) (٢) قاله الأخفش. وقال أبو عبيدة : يستمعون به. وقال الزجاج : المعنى : أنهم كجبريل الّذي يأتي النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالوحي ، وقيل : هي في محلّ نصب على الحال ، أي : صاعدين فيه (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ) إن ادّعى ذلك (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي : بحجّة واضحة ظاهرة (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) أي : بل أتقولون لله البنات ولكم البنون. سفّه سبحانه أحلامهم ، وضلّل عقولهم ووبّخهم ، أي : أيضيفون إلى الله البنات وهي أضعف الصّنفين ، ويجعلون لأنفسهم البنين وهم أعلاهما ، وفيه إشعار بأن من كان هذا رأيه فهو بمحلّ سافل في الفهم والعقل ، فلا يستبعد منه إنكار البعث وجحد التوحيد. ثم رجع سبحانه إلى خطاب رسوله صلىاللهعليهوسلم فقال : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) أي : بل أتسألهم أجرا يدفعونه إليك على تبليغ الرسالة (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أي : من التزام غرامة تطلبها منهم مثقلون ، أي : مجهودون بحملهم ذلك المغرم الثقيل. قال قتادة : يقول : هل سألت هؤلاء القوم أجرا يجهدهم فلا يستطيعون الإسلام (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) أي : بل أيدّعون أن عندهم علم الغيب ، وهو ما في اللوح المحفوظ فهم يكتبون للناس ما أرادوا من علم الغيب. قال قتادة : هذا جواب لقولهم : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) يقول الله : (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) حتى علموا أن محمدا يموت قبلهم فهم يكتبون. قال ابن قتيبة : معنى يكتبون يحاكمون بما يقولون (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً) أي : مكرا برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فيهلكونه بذلك المكر (فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) أي : الممكور بهم ، المجزيون بكيدهم ، فضرر كيدهم يعود عليهم (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) وقد قتلهم الله في يوم بدر ، وأذلهم في غير موطن ، ومكر سبحانه بهم : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣) (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) أي : بل أيدّعون أنّ لهم إلها غير الله يحفظهم ويرزقهم وينصرهم. ثم نزّه سبحانه نفسه عن هذه المقالة الشنعاء فقال : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : عن شركهم به ، أو عن الذين يجعلونهم شركاء له. ثم ذكر سبحانه بعض جهالاتهم ، فقال : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) الكسف جمع
__________________
(١). في تفسير القرطبي (١٧ / ٧٥) : حمزة.
(٢). طه : ٧١.
(٣). آل عمران : ٥٤.