كسفة ، وهي القطعة من الشيء ، وانتصاب ساقطا على الحال ، أو على أنه المفعول الثاني ، والمركوم : المجعول بعضه على بعض. والمعنى : أنهم إن يروا كسفا من السماء ساقطا عليهم لعذابهم لم ينتهوا عن كفرهم ، بل يقولون : هو سحاب متراكم بعضه على بعض ، وقد تقدّم اختلاف القراء في «كسفا». قال الأخفش : من قرأ كسفا ، يعني بكسر الكاف وسكون السين جعله واحدا ، ومن قرأ كسافا ، يعني بكسر الكاف وفتح السين جعله جمعا. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يتركهم ، فقال : (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) أي : اتركهم وخلّ عنهم حتى يلاقوا يوم موتهم ، أو يوم قتلهم ببدر ، أو يوم القيامة. قرأ الجمهور : (يُلاقُوا) وقرأ أبو حيوة «يلقوا» وقرأ الجمهور : «يصعقون» على البناء للفاعل. وقرأ ابن عامر وعاصم على البناء للمفعول ، والصعقة : الهلاك على ما تقدّم بيانه (يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) هو بدل من يومهم ، أي : لا ينفعهم في ذلك اليوم كيدهم الّذي كادوا به رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الدنيا (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي : ولا يمنع عنهم العذاب النازل بهم مانع ، بل هو واقع بهم لا محالة (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ) أي : لهؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي عذابا في الدنيا دون عذاب يوم القيامة ، أي : قبله ، وهو قتلهم يوم بدر. وقال ابن زيد : هو مصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام والبلايا ، وذهاب الأموال والأولاد. وقال مجاهد : هو الجوع والجهد سبع سنين ، وقيل : عذاب القبر ، وقيل : المراد بالعذاب هو القحط ، وبالعذاب الّذي يأتي بعده هو قتلهم يوم بدر (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ما يصيرون إليه من عذاب الله ، وما أعدّه لهم في الدنيا والآخرة (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) إلى أن يقع لهم العذاب الّذي وعدناهم به (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) أي : بمرأى ومنظر منّا ، وفي حفظنا وحمايتنا ، فلا تبال بهم. قال الزجاج : إنك بحيث نراك ونحفظك ونرعاك فلا يصلون إليك (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) أي : نزّه ربك عمّا لا يليق به ، متلبسا بحمد ربك على إنعامه عليك حين تقوم من مجلسك. قال عطاء وسعيد بن جبير وسفيان الثوري وأبو الأحوص : يسبح الله حين يقوم من مجلسه فيقول : سبحان الله وبحمده ، أو سبحانك اللهمّ وبحمدك ؛ عند قيامه من كلّ مجلس يجلسه. وقال محمد بن كعب والضحاك والربيع بن أنس : حين تقول إلى الصلاة. قال الضحاك يقول : الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا. وفيه نظر لأن التكبير يكون بعد القيام لا حال القيام ، ويكون التسبيح بعد التكبير ، وهذا غير معنى الآية ، فالأوّل أولى. وقيل : المعنى : صلّ لله حين تقوم من منامك ، وبه قال أبو الجوزاء وحسان بن عطية. وقال الكلبي : واذكر الله باللسان حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل الصلاة ، وهي صلاة الفجر (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) أمره الله سبحانه أن يسبّحه في بعض الليل. قال مقاتل : أي صلّ المغرب والعشاء ، وقيل : ركعتي الفجر (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) أي : وقت إدبارها من آخر الليل ، وقيل : صلاة الفجر ، واختاره ابن جرير ، وقيل : هو التسبيح في إدبار الصلوات ، وقرأ الجمهور (إِدْبارَ) بكسر الهمزة على أنه مصدر ، وقرأ سالم بن أبي الجعد ومحمد بن السّميقع ويعقوب والمنهال بن عمر بفتحها على الجمع ، أي : أعقاب النجوم ، وأدبارها : إذا غربت ، ودبر الأمر : آخره ، وقد تقدم الكلام على هذا في سورة «ق».