أَبْصارُهُمْ) قرأ الجمهور : (خُشَّعاً) جمع خاشع. وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو خاشعا على الإفراد ، ومنه قول الشاعر (١) :
وشباب حسن أوجههم من |
|
إياد بن نزار بن معدّ |
وقرأ ابن مسعود خاشعة قال الفراء : الصفة إذا تقدّمت على الجماعة جاز فيها التذكير والتأنيث والجمع ، يعني جمع التكسير لا جمع السلامة ؛ لأنه يكون من الجمع بين فاعلين ، ومثل قراءة الجمهور قول امرئ القيس (٢) :
وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم |
|
يقولون لا تهلك أسى وتجلّد |
وانتصاب «خشّعا» على الحال من فاعل «يخرجون» ، أو من الضمير في «عنهم» ، والخشوع في البصر الخضوع والذلة ، وأضاف الخشوع إلى الأبصار لأن العزّ والذلّ يتبيّن فيها (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) أي : يخرجون من القبور ، وواحد الأجداث : جدث ، وهو القبر ، كأنهم لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض جراد منتشر ، أي : منبثّ في الأقطار ، مختلط بعضه ببعض (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) الإهطاع : الإسراع ، أي : قال كونهم مسرعين إلى الداعي ، وهو إسرافيل ، ومنه قول الشاعر :
بدجلة دارهم ولقد أراهم |
|
بدجلة مهطعين إلى السّماع |
أي : مسرعين إليه. وقال الضحاك : مقبلين. وقال قتادة : عامدين. وقال عكرمة : فاتحين آذانهم إلى الصوت ، والأوّل أولى ، وبه قال أبو عبيدة وغيره ، وجملة (يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) في محل نصب على الحال من ضمير «مهطعين» ، والرابط مقدر أو مستأنفة جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل : فماذا يكون حينئذ؟ والعسر : الصعب الشديد ، وفي إسناد هذا القول إلى الكفار دليل على أن اليوم ليس بشديد على المؤمنين. ثم ذكر سبحانه تفصيل بعض ما تقدّم من الأنباء المجملة فقال : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) أي : كذّبوا نبيّهم ، وفي هذا تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وقوله : (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) تفسير لما قبله من التكذيب المبهم ، وفيه مزيد تقرير وتأكيد ، أي : فكذّبوا عبدنا نوحا ، وقيل : المعنى : كذّبت قوم نوح الرسل ، فكذبوا عبدنا نوحا بتكذيبهم للرسل ؛ فإنه منهم. ثم بيّن سبحانه أنهم لم يقتصروا على مجرّد التكذيب فقال : (وَقالُوا مَجْنُونٌ) أي : نسبوا نوحا إلى الجنون ، وقوله : (وَازْدُجِرَ) معطوف على قالوا ، أي : وزجر عن دعوى النبوّة وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر ، والدال بدل من تاء الافتعال كما تقدّم قريبا ، وقيل : إنه معطوف على مجنون ، أي : وقالوا إنه ازدجر ، أي : ازدجرته الجنّ وذهبت بلبّه ، والأوّل أولى. قال مجاهد : هو من كلام الله سبحانه أخبر عنه بأنه انتهر وزجر بالسبّ وأنواع الأذى. قال الرازي : وهذا أصح ؛ لأن المقصود
__________________
(١). هو الحرث بن دوس الإيادي ، ويروى لأبي دؤاد الإيادي.
(٢). البيت لطرفة بن العبد. انظر : شرح المعلقات السبع للزوزني ص (٨٨)