مُسْتَطَرٌ) أي : كل شيء من أعمال الخلق وأقوالهم وأفعالهم مسطور في اللوح المحفوظ ، صغيره وكبيره ، وجليله وحقيره. يقال : سطر يسطر سطرا : كتب ، واستطر مثله. ثم لما فرغ سبحانه من ذكر حال الأشقياء ذكر حال السعداء فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) أي : في بساتين مختلفة وجنان متنوعة وأنهار متدفقة. قرأ الجمهور «ونهر» بفتح الهاء على الإفراد ، وهو جنس يشمل أنهار الجنة وقرأ مجاهد والأعرج وأبو السمال بسكون الهاء وهما لغتان ، وقرأ أبو مجلز وأبو نهشل والأعرج وطلحة بن مصرّف وقتادة «نهر» بضم النون والهاء على الجمع (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) أي : في مجلس حقّ لا لغو فيه ولا تأثيم ، وهو الجنة (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) أي : قادر على ما يشاء لا يعجزه شيء ، وعند هاهنا كناية عن الكرامة وشرف المنزلة ، وقرأ عثمان البتّي «في مقاعد صدق».
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) يقول : ليس كفاركم خير من قوم نوح وقوم لوط. وأخرج ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عنه في قوله : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) قال : كان ذلك يوم بدر قالوا : (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) فنزلت هذه الآية. وفي البخاري وغيره عنه أيضا أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال وهو في قبّة له يوم بدر : «أنشدك عهدك ووعدك ، اللهمّ إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا ، فأخذ أبو بكر بيده وقال : حسبك يا رسول الله ألححت على ربك ، فخرج وهو يثب في الدرع ويقول : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ـ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ). وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن ماجة وغيرهم عن أبي هريرة قال : جاء مشركو قريش إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم يخاصمونه في القدر ، فنزلت : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ). وأخرج مسلم عن ابن عمر قال : قال رسول الله : «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس». وأخرج ابن المنذر عنه في قوله : (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) قال : مسطور في الكتاب.
* * *