الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥))
قوله : (الرَّحْمنُ ـ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) ارتفاع الرّحمن على أنه مبتدأ وما بعده من الأفعال أخبار له ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي : الله الرّحمن. قال الزجّاج : معنى (عَلَّمَ الْقُرْآنَ) يسّره. قال الكلبي : علّم القرآن محمدا وعلّمه محمد أمته ، وقيل : جعله علامة لما يعبد الناس به ، قيل : نزلت هذه الآية جوابا لأهل مكة حين قالوا : إنما يعلمه بشر ، وقيل : جوابا لقولهم : وما الرّحمن؟ ولما كانت هذه السورة لتعداد نعمه التي أنعم بها على عباده قدّم النعمة التي هي أجلّها قدرا ، وأكثرها نفعا ، وأتمّها فائدة ، وأعظمها عائدة ، وهي نعمة تعليم القرآن ، فإنها مدار سعادة الدارين ، وقطب رحى الخيرين ، وعماد الأمرين. ثم امتنّ بعد هذه النعمة بنعمة الخلق التي هي مناط كل الأمور ومرجع جميع الأشياء فقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) ثم امتنّ ثالثا بتعليمه البيان الّذي يكون به التفاهم ، ويدور عليه التّخاطب ، وتتوقف عليه مصالح المعاش والمعاد ؛ لأنه لا يمكن إبراز ما في الضمائر ولا إظهار ما يدور في الخلد إلا به. قال قتادة والحسن : المراد بالإنسان آدم ، والمراد بالبيان أسماء كلّ شيء ، وقيل : المراد به اللغات. وقال ابن كيسان : المراد بالإنسان هاهنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وبالبيان بيان الحلال من الحرام ، والهدى من الضلال ، وهو بعيد. وقال الضحاك : البيان : الخير والشرّ. وقال الربيع بن أنس : هو ما ينفعه ممّا يضره ، وقيل : البيان : الكتابة بالقلم. والأولى حمل الإنسان على الجنس ، وحمل البيان على تعليم كلّ قوم لسانهم الّذي يتكلمون به (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) أي : يجريان بحساب ومنازل لا يعدوانها ، ويدلان بذلك على عدد الشهور والسنين. قال قتادة وأبو مالك : يجريان بحسبان في منازل لا يعدوانها ولا يحيدان عنها. وقال ابن زيد وابن كيسان : يعني أن بهما تحسب الأوقات والآجال والأعمار ، ولو لا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب ؛ لأن الدهر يكون كله ليلا أو نهارا. وقال الضحاك : معنى بحسبان : بقدر. وقال مجاهد : بحسبان كحسبان الرحى ، يعني قطبهما الّذي يدوران عليه. قال الأخفش : الحسبان جماعة الحساب ، مثل شهب وشهبان. وأما الحسبان بالضمّ فهو العذاب ؛ كما مضى في سورة الكهف (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) النجم : ما لا ساق له من النبات ، والشجر : ما له ساق. قال الشاعر (١) :
لقد أنجم القاع الكبير عضاهه |
|
وتمّ به حيّا تميم ووائل |
وقال زهير :
مكلّل بأصول النّجم تنسجه |
|
ريح الجنوب لضاحي مائه حبك |
__________________
(١). هو صفوان بن أسد التميمي.