لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١) حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨))
لما فرغ سبحانه من تعداد النعم الدنيوية على الثقلين ذكر نعمه الأخروية التي أنعم بها عليهم ، فقال : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) مقامه سبحانه : هو الموقف الّذي يقف فيه العباد للحساب ، كما في قوله : (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١) فالمقام مصدر بمعنى القيام ، وقيل : المعنى : خاف قيام ربه عليه ، وهو إشرافه على أحواله واطلاعه على أفعاله وأقواله ، كما في قوله : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (٢) قال مجاهد والنّخعي : هو الرجل يهمّ بالمعصية فيذكر الله فيدعها من خوفه.
واختلف في الجنتين ، فقال مقاتل : يعني جنة عدن وجنة النعيم ، وقيل : إحداهما التي خلقت له والأخرى ورثها. وقيل : إحداهما منزله والأخرى منزل أزواجه. وقيل : إحداهما أسافل القصور والأخرى أعاليها. وقيل : جنة للخائف الإنسي ، وجنة للخائف الجنّي. وقيل : جنة لفعل الطاعة وأخرى لترك المعصية ، وقيل : جنة للعقيدة التي يعتقدها ، وأخرى للعمل الّذي يعمله ، وقيل : جنة بالعمل وجنة بالتفضّل ، وقيل : جنة روحانية وجنة جسمانية ، وقيل : جنة لخوفه من ربه وجنة لتركه شهوته ، وقال الفرّاء : إنما هي جنة واحدة ، والتثنية لأجل موافقة رؤوس الآي. قال النحاس : وهذا القول من أعظم الغلط على كتاب الله ، فإن الله يقول : «جنتان» ويصفهما بقوله فيهما إلخ. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن من جملتها هذه النعمة العظيمة ، وهي إعطاء الخائف من مقام ربّه جنتين متصفتين بالصفات الجليلة العظيمة (ذَواتا أَفْنانٍ) هذه صفة للجنتين ، وما بينهما اعتراض ، والأفنان : الأغصان ، واحدها فنن ، وهو الغصن المستقيم طولا ، وبهذا قال مجاهد وعكرمة وعطية وغيرهم. وقال الزجاج : الأفنان : الألوان ، واحدها فنّ ، وهو الضرب من كل شيء ، وبه قال عطاء وسعيد بن جبير ، وجمع عطاء بين القولين ، فقال : في كلّ غصن فنون من الفاكهة ، ومن إطلاق الفنن على الغصن قول النابغة :
دعاء حمامة تدعو هديلا |
|
مفجّعة على فنن تغنّي |
وقول الآخر :
__________________
(١). المطففين : ٦.
(٢). الرعد : ٣٣.