ما هاج شوقك من هديل حمامة |
|
تدعو على فنن الغصون حماما |
وقيل : معنى (ذَواتا أَفْنانٍ) ذواتا فضل وسعة على ما سواهما ، قاله قتادة ، وقيل : الأفنان : ظلّ الأغصان على الحيطان ، روي هذا عن مجاهد وعكرمة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن كل واحد منها ليس بمحل للتكذيب ولا بموضع للإنكار (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) هذا أيضا صفة أخرى ل «جنتان» ، أي : في كل واحدة منهما عين جارية. قال الحسن : إحداهما السلسبيل والأخرى التسنيم. وقال عطية : إحداهما من ماء غير آسن ، والأخرى من خمر لذة للشاربين ، قيل : كلّ واحدة منهما مثل الدنيا أضعافا مضاعفة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن من جملتها هذه النعمة الكائنة في الجنة لأهل السعادة (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) هذا صفة ثالثة لجنتان ، والزوجان : الصنفان والنوعان ، والمعنى : أن في الجنتين من كلّ نوع يتفكّه به ضربين يستلذ بكلّ نوع من أنواعه ، قيل : أحد الصنفين رطب والآخر يابس ، لا يقصر أحدهما عن الآخر في الفضل والطيب (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن في مجرّد تعداد هذه النعم ووصفها في هذا الكتاب العزيز من الترغيب إلى فعل الخير والترهيب عن فعل الشرّ ما لا يخفى على من يفهم ، وذلك نعمة عظمى ومنّة كبرى ، فكيف بالتنعّم به عند الوصول إليه (مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) انتصاب متكئين على الحال من فاعل قوله : (وَلِمَنْ خافَ) ، وإنما جمع حملا على معنى من ، وقيل : عاملها محذوف ، والتقدير : يتنعمون متكئين. وقيل : منصوب على المدح ، والفرش : جمع فراش ، والبطائن : هي التي تحت الظهائر ، وهي جمع بطانة. قال الزجاج : هي ما يلي الأرض ، والإستبرق : ما غلظ من الديباج ، وإذا كانت البطائن من إستبرق فكيف تكون الظهائر؟ قيل لسعيد بن جبير : البطائن من إستبرق فما الظواهر؟ قال : هذا مما قال الله فيه : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (١) قيل : إنما اقتصر على ذكر البطائن ؛ لأنه لم يكن أحد في الأرض يعرف ما في الظهائر. وقال الحسن : بطائنها من إستبرق من نور جامد. وقال الحسن : البطائن هي الظهائر ، وبه قال الفراء : وقال : قد تكون البطانة الظهارة والظهارة البطانة ؛ لأن كلّ واحد منهما يكون وجها ، والعرب تقول : هذا ظهر السماء ، وهذا بطن السماء لظاهرها الّذي نراه ، وأنكر ابن قتيبة هذا ، وقال : لا يكون هذا إلا في الوجهين المتساويين (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) مبتدأ وخبر ، والجنى : ما يجتنى من الثمار ، قيل : إن الشجرة تدنو حتى يجنيها من يريد جناها. ومنه قول الشاعر (٢) :
هذا جناي وخياره فيه |
|
إذ كلّ جان يده إلى فيه |
قرأ الجمهور : (فُرُشٍ) بضمتين ، وقرأ أبو حيوة بضمة وسكون ، وقرأ الجمهور : (جَنَى) بفتح الجيم ، وقرأ عيسى بن عمر بكسرها ، وقرأ عيسى أيضا بكسر النون على الإمالة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإنها كلها بموضع لا يتيسّر لمكذّب أن يكذب بشيء منها ؛ لما تشتمل عليه من الفوائد العاجلة
__________________
(١). السجدة : ١٧.
(٢). هو عمرو بن عدي اللخمي.