سبحانه من المغفرة والجنة ، وهو مبتدأ وخبره (فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) أي : يعطيه من يشاء إعطاءه إياه تفضّلا وإحسانا (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) فهو يتفضّل على من يشاء ، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ، والخير كله بيده ، وهو الكريم المطلق والجواد الّذي لا يبخل. ثم بيّن سبحانه أن ما يصاب به العباد من المصائب قد سبق بذلك قضاؤه وقدره ، وثبت في أمّ الكتاب ، فقال : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) من قحط مطر ، وضعف نبات ، ونقص ثمار. قال مقاتل : القحط وقلة النبات والثمار ، وقيل : الجوائح في الزرع (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) قال قتادة : بالأوصاب والأسقام. وقال مقاتل : إقامة الحدود. وقال ابن جريج : ضيق المعاش (إِلَّا فِي كِتابٍ) في محل نصب على الحال من «مصيبة» ، أي : إلا حال كونها مكتوبة في كتاب ، وهو اللوح المحفوظ ، وجملة (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) في محل جر صفة لكتاب ، والضمير في نبرأها عائد إلى المصيبة ، أو إلى الأنفس ، أو إلى الأرض ، أو إلى جميع ذلك ، ومعنى (نَبْرَأَها) نخلقها (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي : إن إثباتها في الكتاب على كثرته على الله يسير غير عسير ، (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) أي : اختبرناكم بذلك لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) منها ، أي : أعطاكم منها ، فإن ذلك يزول عن قريب ، وكل زائل عن قريب لا يستحق أن يفرح بحصوله ، ولا يحزن على فواته ، ومع أن الكل بقضاء الله وقدره ، فلن يعدو أمر ما كتب له ، وما كان حصوله كائنا لا محالة فليس بمستحقّ للفرح بحصوله ولا للحزن على فوته ، قيل : والحزن والفرح المنهيّ عنهما هما اللذان يتعدّى فيهما إلى ما لا يجوز ، وإلا فليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح. قرأ الجمهور : (بِما آتاكُمْ) بالمدّ ، أي : أعطاكم ، وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم وأبو عمرة بالقصر ، أي : جاءكم ، واختار القراءة الأولى أبو حاتم ، واختار القراءة الثانية أبو عبيد (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) أي : لا يحبّ من اتصف بهاتين الصفتين وهما الاختيال والافتخار ، قيل : هو ذمّ للفرح الّذي يختال فيه صاحبه ويبطر ، وقيل : إن من فرح بالحظوظ الدنيوية ، وعظمت في نفسه ، اختال وافتخر بها ، وقيل : المختال : الّذي ينظر إلى نفسه ، والفخور : الّذي ينظر إلى نفسه ، والفخور : الّذي ينظر إلى الناس بعين الاستحقار. والأولى تفسير هاتين الصفتين بمعناهما الشرعي ثم اللغوي ، فمن حصلتا فيه فهو الّذي لا يحبه الله (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) الموصول في محل رفع بالابتداء ، وهو كلام مستأنف لا تعلّق له بما قبله ، والخبر مقدّر ، أي : الذين يبخلون فالله غنّي عنهم ، ويدل على ذلك قوله : (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) وقيل : الموصول في محل جرّ بدل من «مختال» ، وهو بعيد ، فإن هذا البخل بما في اليد ، وأمر الناس بالبخل ، ليس هو معنى المختال الفخور ، لا لغة ولا شرعا. وقيل : هو في محل جرّ نعت له ، وهو أيضا بعيد. قال سعيد بن جبير : الذين يبخلون بالعلم ويأمرون الناس بالبخل به لئلا يعلّموا الناس شيئا. وقال زيد بن أسلم : إنه البخل بأداء حق الله ، وقيل : إنه البخل بالصدقة ، وقال طاوس : إنه البخل بما في يديه ، وقيل : أراد رؤساء اليهود الذين بخلوا ببيان صفة محمد صلىاللهعليهوسلم في كتبهم لئلا يؤمن به الناس فتذهب مآكلهم ، قاله السدّي والكلبي. قرأ الجمهور : (بِالْبُخْلِ) بضم وسكون الخاء. وقرأ أنس وعبيد بن عمير ويحيى بن يعمر ومجاهد وحميد وابن محيصن وحمزة والكسائي بفتحتين ، وهي لغة الأنصار.