قالوا» [واحد ، واللام وإلى] (١) يتعاقبان. قال : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) (٢) وقال : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) (٣) وقال : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) (٤) وقال : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ) (٥) وقال الفراء : اللام بمعنى عن ، والمعنى : ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء. وقال الزجاج : المعنى ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا. قال الأخفش أيضا : الآية فيها تقديم وتأخير ، والمعنى : والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون لما كانوا عليه من الجماع (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) لما قالوا ، أي : فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا ، فالجار في قوله : (لِما قالُوا) متعلق بالمحذوف الّذي هو خبر المبتدأ وهو : فعليهم.
واختلف أهل العلم في تفسير العود المذكور على أقوال : الأول : أنه العزم على الوطء ، وبه قال العراقيون أبو حنيفة وأصحابه ، وروي عن مالك. وقيل : هو الوطء نفسه ، وبه قال الحسن ، وروي أيضا عن مالك. وقيل : هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق ، وبه قال الشافعي. وقيل : هو الكفارة ، والمعنى : أنه لا يستبيح وطأها إلا بكفارة ، وبه قال الليث بن سعد ، وروي عن أبي حنيفة. وقيل : هو تكرير الظهار بلفظه ، وبه قال أهل الظاهر. وروي عن بكير بن الأشج وأبي العالية والفراء. والمعنى. ثم يعودون إلى قول ما قالوا. والموصول مبتدأ وخبره (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) على تقدير : فعليهم تحرير رقبة كما تقدم ، أو فالواجب عليهم إعتاق رقبة ، يقال : حررته ، أي : جعلته حرا ، والظاهر أنها تجزئ أيّ رقبة كانت ، وقيل : يشترط أن تكون مؤمنة كالرقبة في كفارة القتل ؛ وبالأول قال أبو حنيفة وأصحابه وبالثاني قال مالك والشافعي ، واشترطا أيضا سلامتها من كل عيب (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) المراد الاستمتاع بالجماع أو اللمس أو النظر إلى الفرج بشهوة ، وبه قال مالك ، وهو أحد قولي الشافعي ، والإشارة بقوله : (ذلِكُمْ) إلى الحكم المذكور وهو مبتدأ وخبره (تُوعَظُونَ بِهِ) أي : تؤمرون به ، أو تزجرون به عن ارتكاب الظهار ، وفيه بيان لما هو المقصود من شرع الكفّارة. قال الزجاج : معنى الآية : ذلكم التغليظ في الكفارة توعظون به ، أي : إن غلظ الكفّارة وعظ لكم حتى تتركوا الظهار (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، فهو مجازيكم عليها. ثم ذكر سبحانه حكم العاجز عن الكفارة فقال : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) أي : فمن لم يجد الرقبة في ملكه ، ولا تمكّن من قيمتها ، فعليه صيام شهرين متتابعين متواليين لا يفطر فيهما ، فإن أفطر استأنف إن كان الإفطار لغير عذر ، وإن كان لعذر من سفر أو مرض فقال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي والشافعي ومالك : إنه يبني ولا يستأنف. وقال أبو حنيفة : إنه يستأنف ، وهو مروي عن الشافعي ؛ ومعنى (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) هو ما تقدم قريبا ، فلو وطئ ليلا أو نهارا عمدا أو خطأ استأنف ، وبه قال أبو حنيفة ومالك. وقال الشافعي :
__________________
(١). من تفسير القرطبي (١٧ / ٢٨٢)
(٢). الأعراف : ٤٣.
(٣). الصافات : ٢٣.
(٤). الزلزلة : ٥.
(٥). هود : ٣٦.