لا يستأنف إذا وطئ ليلا لأنه ليس محلا للصوم ، والأول أولى (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) يعني صيام شهرين متتابعين (فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) أي : فعليه أن يطعم ستين مسكينا ، لكل مسكين مدّان ، وهما نصف صاع ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال الشافعي وغيره : لكل مسكين مدّ واحد ، والظاهر من الآية أن يطعمهم حتى يشبعوا مرة واحدة ، أو يدفع إليهم ما يشبعهم ، ولا يلزمه أن يجمعهم مرة واحدة ، بل يجوز له أن يطعم بعض الستين في يوم ، وبعضهم في يوم آخر ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما تقدم ذكره من الأحكام ، وهو مبتدأ وخبره مقدّر ، أي : ذلك واقع (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ويجوز أن يكون اسم الإشارة في محل نصب ، والتقدير : فعلنا ذلك لتؤمنوا ، أي : لتصدّقوا أن الله أمر به وشرعه ، أو لتطيعوا الله ورسوله في الأوامر والنواهي ، وتقفوا عند حدود الشرع ولا تتعدوها ، ولا تعودوا إلى الظهار الّذي هو منكر من القول وزور ، والإشارة بقوله : (وَتِلْكَ) إلى الأحكام المذكورة وهو مبتدأ ، وخبره (حُدُودُ اللهِ) فلا تجاوزوا حدوده التي حدّها لكم ، فإنه قد بيّن لكم أن الظهار معصية ، وأن كفّارته المذكورة توجب العفو والمغفرة (وَلِلْكافِرِينَ) الذين لا يقفون عند حدود الله ولا يعملون بما حدّه الله لعباده (عَذابٌ أَلِيمٌ) وهو عذاب جهنم ، وسمّاه كفرا تغليظا وتشديدا.
وقد أخرج ابن ماجة وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قالت : تبارك الّذي وسع سمعه كل شيء ، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه ، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهي تقول : يا رسول الله أكل شبابي ، ونثرت له بطني ، حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني ، اللهم إني أشكو إليك ، قالت : فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) وهو أوس بن الصامت. وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال : كان أول من ظاهر في الإسلام أوس ، وكانت تحته ابنة عم له يقال لها خولة بنت خويلد ، فظاهر منها فأسقط في يده وقال : ما أراك إلا وقد حرمت علي ، فانطلقي إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فاسأليه ، فأتت النبي صلىاللهعليهوسلم فوجدت عنده ماشطة تمشط رأسه فأخبرته ، فقال : يا خولة ما أمرنا في أمرك بشيء ، فأنزل الله على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا خولة أبشري. قالت : خيرا. قال : خيرا ، فقرأ عليها : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) الآيات. وأخرج أحمد وأبو داود وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي من طريق يوسف بن عبد الله ابن سلام قال : «حدثتني خولة بنت ثعلبة قالت : فيّ والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة ، قالت : كنت عنده ، وكان شيخا قد ساء خلقه ، فدخل عليّ يوما فراجعته بشيء ، فغضب ، فقال : أنت عليّ كظهر أمي ، ثم رجع فجلس في نادي قومه ساعة ، ثم دخل عليّ فإذا هو يريدني عن نفسي ، قلت : كلا والّذي نفس خوله بيده ، لا تصل إليّ ، وقد قلت ما قلت ، حتى يحكم الله ورسوله فينا ، ثم جئت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكرت ذلك له ، فما برحت حتى نزل القرآن ، فتغشّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما كان يغشاه ثم سرّي عنه ، فقال لي : يا خولة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك ، ثم قرأ عليّ (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ) إلى قوله : (عَذابٌ أَلِيمٌ) فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : مريه فليعتق رقبة قلت : يا رسول الله ما عنده ما يعتق ،