أُولِي الْأَبْصارِ) أي : اتّعظوا وتدبروا وانظروا فيما نزل بهم يا أهل العقول والبصائر. قال الواحدي : ومعنى الاعتبار : النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا) أي : لو لا أن كتب الله عليهم الخروج من أوطانهم على ذلك الوجه وقضى به عليهم لعذبهم بالقتل والسبي في الدنيا كما فعل ببني قريظة. والجلاء : مفارقة الوطن ، يقال : جلا بنفسه جلاء ، وأجلاه غيره إجلاء. والفرق بين الجلاء والإخراج ، وإن كان معناهما في الإبعاد واحدا ، من جهتين : إحداهما : أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد ، والإخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد. الثاني : أن الجلاء لا يكون إلا لجماعة ، والإخراج يكون لجماعة ولواحد ، كذا قال الماوردي. (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) هذه الجملة مستأنفة ، غير متعلّقة بجواب لولا ، متضمنة لبيان ما يحصل لهم في الآخرة من العذاب ؛ وإن نجوا من عذاب الدنيا ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما تقدّم ذكره من الجلاء في الدنيا والعذاب في الآخرة (بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي : بسبب المشاقة منهم لله ولرسوله ؛ بعدم الطاعة ، والميل مع الكفار ، ونقض العهد (وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) اقتصرها هنا على مشاقة الله ، لأن مشاقته مشاقة لرسوله. قرأ الجمهور : (يُشَاقِ) بالإدغام ، وقرأ طلحة بن مصرّف ومحمد بن السّميقع يشاقق بالفكّ (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) قال مجاهد : إن بعض المهاجرين وقعوا في قطع النخل فنهاهم بعضهم ، وقالوا : إنما هي مغانم للمسلمين ، وقال الذين قطعوا : بل هو غيظ للعدوّ ، فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطع النخل وتحليل من قطعه من الإثم ، فقال : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) قال قتادة والضحاك : إنهم قطعوا من نخيلهم وأحرقوا ست نخلات. وقال محمد بن إسحاق : قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة ، فقال بنو النضير وهم أهل كتاب : يا محمد ألست تزعم أنك نبيّ تريد الصلاح ، أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر؟ وهل وجدت فيما أنزل عليك إباحة الفساد في الأرض ، فشقّ ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووجد المسلمون في أنفسهم فنزلت الآية ، ومعنى الآية : أيّ شيء قطعتم من ذلك أو تركتم فبإذن الله ، والضمير في (تَرَكْتُمُوها) عائد إلى (ما) لتفسيرها باللينة ، وكذا في قوله : (قائِمَةً عَلى أُصُولِها) ومعنى على أصولها : أنها باقية على ما هي عليه.
واختلف المفسرون في تفسير اللينة ، فقال الزهري ومالك وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل : إنها النخل كله إلا العجوة. وقال مجاهد : إنها النخل كله ، ولم يستثن عجوة ولا غيرها. وقال الثوري : هي كرام النخل. وقال أبو عبيدة : إنها جميع أنواع التمر سوى العجوة والبرني. وقال جعفر بن محمد : إنها العجوة خاصة ، وقيل : هي ضرب من النخل ، يقال لتمره : اللّون ، تمره أجود التمر. وقال الأصمعي : هي الدّقل ، وأصل اللينة لونة ، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، وجمع اللينة : لين ، وقيل : ليان. وقرأ ابن مسعود «ما قطعتم من لينة ولا تركتم قوما على أصولها» أي : قائمة على سوقها ، وقرئ : «على أصلها» وقرئ : «قائما على أصوله». (وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) أي : ليذلّ الخارجين عن الطاعة ، وهم اليهود ، ويغيظهم في قطعها وتركها ؛ لأنهم إذا رأوا المؤمنين يتحكمون في أموالهم كيف شاؤوا من القطع والترك ازدادوا غيظا. قال الزجاج :