شيئا أفاءه الله على رسوله ، واقتضت الآية أنه حاصل بغير قتال ، واقتضت آية الأنفال ، وهي الآية الثالثة ، أنه حاصل بقتال ، وعريت الآية الثانية ، وهي قوله : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) عن ذكر حصوله بقتال أو بغير قتال ، فنشأ الخلاف من ها هنا ؛ فطائفة قالت : هي ملحقة بالأولى ، وهي مال الصلح ، وطائفة قالت : هي ملحقة بالثالثة وهي آية الأنفال. والذين قالوا إنها ملحقة بآية الأنفال اختلفوا هل هي منسوخة أو محكمة ، هذا معنى حاصل كلامه. وقال مالك : إن الآية الأولى من هذه السورة خاصّة برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والآية الثانية هي في بني قريظة ، ويعني أن معناها يعود إلى آية الأنفال. ومذهب الشافعي أن سبيل خمس الفيء سبيل خمس الغنيمة ، وأن أربعة أخماسه كانت للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وهي بعده لمصالح المسلمين (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) المراد بقوله : لله أنه يحكم فيه بما يشاء (وَلِلرَّسُولِ) يكون ملكا له (وَلِذِي الْقُرْبى) وهم بنو هاشم وبنو المطلب ، لأنهم قد منعوا من الصدقة ، فجعل لهم حقا في الفيء. قيل : تكون القسمة في هذا المال على أن يكون أربعة أخماسه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وخمسه يقسم أخماسا : للرسول خمس ، ولكل صنف من الأصناف الأربعة المذكورة خمس ، وقيل : يقسم أسداسا. السادس : سهم الله سبحانه ، ويصرف إلى وجوه القرب ؛ كعمارة المساجد ونحو ذلك (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) أي : كيلا يكون الفيء دولة بين الأغنياء دون الفقراء ، والدولة : اسم للشيء يتداوله القوم بينهم ، يكون لهذا مرّة ، ولهذا مرّة. قال مقاتل : المعنى أنه يغلب الأغنياء الفقراء فيقسمونه بينهم. قرأ الجمهور : (يَكُونَ) بالتحتية دولة بالنصب ، أي : كيلا يكون الفيء دولة. وقرأ أبو جعفر والأعرج وهشام وأبو حيوة تكون بالفوقية دولة بالرفع ، أي : كيلا تقع أو توجد دولة ، وكان تامة. وقرأ الجمهور (دُولَةً) بضم الدال. وقرأ أبو حيوة والسّلمي بفتحها. قال عيسى بن عمر ويونس والأصمعي : هما لغتان بمعنى واحد. وقال أبو عمرو بن العلاء : الدّولة بالفتح الّذي يتداول من الأموال ، وبالضم الفعل. وكذا قال أبو عبيدة. ثم لما بيّن لهم سبحانه مصارف هذا المال أمرهم بالاقتداء برسوله صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) أي : ما أعطاكم من مال الغنيمة فخذوه ، وما نهاكم عن أخذه فانتهوا عنه ولا تأخذوه. قال الحسن والسدّي : ما أعطاكم من مال الفيء فاقبلوه ، وما منعكم منه فلا تطلبوه. وقال ابن جريج : ما آتاكم من طاعتي فافعلوا ، وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه. والحقّ أن هذه الآية عامة في كل شيء يأتي به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أمر أو نهي أو قول أو فعل ، وإن كان السبب خاصا فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وكل شيء أتانا به من الشرع فقد أعطانا إياه وأوصله إلينا ، وما أنفع هذه الآية وأكثر فائدتها. ثم لما أمرهم بأخذ ما أمرهم به الرّسول ، وترك ما نهاهم عنه ، أمرهم بتقواه ، وخوفهم شدّة عقوبته ، فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) فهو معاقب من لم يأخذ ما آتاه الرّسول ولم يترك ما نهاه عنه.
وقد أخرج الحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، عن عائشة قالت : كانت غزوة بني النضير ، وهم طائفة من اليهود ، على رأس ستة أشهر من وقعة بدر ، وكان منزلهم ونخلهم في ناحية المدينة.