فأتاها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاحتواها كلها ، فقال ناس : هلّا قسمها الله ، فأنزل الله عذره فقال : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) الآية. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال : كان ما أفاء الله على رسوله من خيبر نصف لله ورسوله ، والنصف الآخر للمسلمين ، فكان الّذي لله ورسوله من ذلك الكثيبة والوطيح وسلالم ووخدة ، وكان الّذي للمسلمين الشقّ ، والشقّ ثلاثة عشر سهما ، ونطاة (١) خمسة أسهم ، ولم يقسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من خيبر لأحد من المسلمين إلا لمن شهد الحديبية. ولم يأذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأحد من المسلمين تخلّف عنه عند مخرجه إلى الحديبية أن يشهد معه خيبر إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاريّ. وأخرج أبو داود وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال : كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم صفايا (٢) في النضير وخيبر وفدك ؛ فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه ، وأما فدك فكانت لابن السبيل ، وأما خيبر فجزأها ثلاثة أجزاء : قسم منها جزءين بين المسلمين ، وحبس جزءا لنفسه ولنفقة أهله ، فما فضل عن نفقة أهله ردها على فقراء المهاجرين. وأخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن أبي شيبة ، وابن زنجويه في الأموال ، وعبد بن حميد وابن المنذر عن عمر بن الخطاب قال : ما على وجه الأرض مسلم إلا وله في هذا الفيء حقّ إلا ما ملكت أيمانكم. وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عن ابن مسعود قال : «لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله» فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أمّ يعقوب ، فجاءت ابن مسعود ، فقالت : بلغني أنك لعنت كيت وكيت ، قال : وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في كتاب الله؟ قالت : لقد قرأت الدّفتين فما وجدت فيه شيئا من هذا ، قال : لئن كنت قرأته لقد وجدته ، أما قرأت (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه».
(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (٨) وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩) وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٠))
قوله : (لِلْفُقَراءِ) قيل : هو بدل من (لِذِي الْقُرْبى) وما عطف عليه ، ولا يصحّ أن يكون بدلا من الرسول وما بعده ؛ لئلا يستلزم وصف رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالفقر ، وقيل : التقدير (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً) ولكن يكون للفقراء ، وقيل : التقدير : اعجبوا للفقراء ، وقيل : التقدير : والله شديد العقاب للفقراء ، أي :
__________________
(١). «النّطاة» : علم لخيبر ، أو حصن بها.
(٢). «الصفايا» : جمع صفي ، وهو ما يصطفيه صلىاللهعليهوسلم من عرض الغنيمة من شيء قبل أن يخمس : عبد أو جارية أو فرس أو سيف أو غيرها ـ وكان النبي صلىاللهعليهوسلم مخصوصا بذلك مع الخمس الّذي كان له خاصة.