شديد العقاب للكفار بسبب الفقراء ، وقيل : هو عطف على ما مضى بتقدير الواو ، كما تقول : المال لزيد لعمرو لبكر ، والمراد ب (الْمُهاجِرِينَ) الذين هاجروا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم رغبة في الدين ونصرة له. قال قتادة : هؤلاء المهاجرون هم الذين تركوا الديار والأموال والأهلين ، ومعنى (أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أن كفار مكة أخرجوهم منها واضطروهم إلى الخروج ، وكانوا مائة رجل (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) أي : يطلبون منه أن يتفضّل عليهم بالرزق في الدنيا ، وبالرضوان في الآخرة (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) بالجهاد للكفار ، وهذه الجملة معطوفة على «يبتغون» ، ومحل الجملتين النصب على الحال ، الأولى مقارنة ، والثانية مقدّرة ، أي : ناوين لذلك ، ويجوز أن تكون حالا مقارنة لأن خروجهم على تلك الصفة نصرة لله ورسوله ، والإشارة بقوله : (أُولئِكَ) إليهم من حيث اتصافهم بتلك الصفات ، وهو مبتدأ وخبره (هُمُ الصَّادِقُونَ) أي : الكاملون في الصدق ، الراسخون فيه. ثم لما فرغ من مدح المهاجرين مدح الأنصار فقال : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ) المراد بالدار المدينة ، وهي دار الهجرة ، ومعنى تبوّئهم الدار والإيمان أنهم اتخذوها مباءة ، أي : تمكّنوا منهما تمكّنا شديدا ، والتبوّء في الأصل إنما يكون للمكان ، ولكنه جعل الإيمان مثله لتمكنهم فيه تنزيلا للحال منزلة المحل ، وقيل : إن الإيمان منصوب بفعل غير الفعل المذكور ، والتقدير : واعتقدوا الإيمان ، أو وأخلصوا الإيمان ، كذا قال أبو علي الفارسي. ويجوز أن يكون على حذف مضاف ، أي : تبوّءوا مضمّنا لمعنى لزموا ، والتقدير : لزموا الدار والإيمان. ومعنى «من قبلهم» : من قبل هجرة المهاجرين ، فلا بدّ من تقدير مضاف ؛ لأن الأنصار إنما آمنوا بعد إيمان المهاجرين ، والموصول مبتدأ وخبره (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) وذلك لأنهم أحسنوا إلى المهاجرين وأشركوهم في أموالهم ومساكنهم (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً) أي : لا يجد الأنصار في صدورهم حسدا وغيظا وحزازة (مِمَّا أُوتُوا) أي : ممّا أوتي المهاجرون دونهم من الفيء ، بل طابت أنفسهم بذلك ، وفي الكلام مضاف محذوف ، أي : لا يجدون في صدورهم مسّ حاجة أو أثر حاجة ، وكلّ ما يجده الإنسان في صدره مما يحتاج إليه فهو حاجة. وكان المهاجرون في دور الأنصار ، فلما غنم النبيّ صلىاللهعليهوسلم بني النضير دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين من إنزالهم إياهم في منازلهم ، وإشراكهم في أموالهم ، ثم قال : «إن أحببتم قسمت ما أفاء الله عليّ من بني النضير بينكم وبين المهاجرين» وكان المهاجرون على ما هم عليه من السّكنى في مساكنكم والمشاركة لكم في أموالكم ، وإن أحببتم أعطيتهم ذلك وخرجوا من دياركم ، فرضوا بقسمة ذلك في المهاجرين وطابت أنفسهم (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) الإيثار : تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا رغبة في حظوظ الآخرة ، يقال : آثرته بكذا ، أي : خصصته به ، والمعنى : ويقدّمون المهاجرين على أنفسهم في حظوظ الدنيا (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) أي : حاجة وفقر ، والخصاصة مأخوذة من خصاص البيت ، وهي الفرج التي تكون فيه ، وجملة «ولو كان بهم خصاصة» في محل نصب على الحال ؛ وقيل : إن الخصاصة مأخوذة من الاختصاص ، وهو الانفراد بالأمر ، فالخصاصة : الانفراد بالحاجة ، ومنه قول الشاعر :
أمّا الرّبيع إذا تكون خصاصة |
|
عاش السقيم به وأثرى المقتر |