باستغفار إبراهيم لأبيه ، وقوله : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) لا تعذبنا بأيديهم ، ولا بعذاب من عندك ، فيقولون : لو كان هؤلاء على الحقّ ما أصابهم هذا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، عنه (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) قال : في صنيع إبراهيم كله إلا في الاستغفار لأبيه ، وهو مشرك. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله : (لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قال : لا تسلّطهم علينا فيفتنونا. وأخرج ابن مردويه عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن عن أبي هريرة قال : أوّل من قاتل أهل الردّة على إقامة دين الله أبو سفيان بن حرب ، وفيه نزلت هذه الآية : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً). وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن ، فلما قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتدّا ، فكان أوّل من قاتل في الردّة وجاهد عن الدّين. قال : وهو فيمن قال الله فيه : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً). وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن عديّ وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في الآية قال : كانت المودة التي جعل بينهم تزويج النبي صلىاللهعليهوسلم أمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، فصارت أمّ المؤمنين ، فصار معاوية خال المؤمنين. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس أن أبا سفيان قال : «يا رسول الله ثلاث أعطنيهن ، قال : نعم ، قال : تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين ، قال : نعم ، قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك ، قال : نعم ، قال : وعندي أحسن العرب وأجمله أمّ حبيبة بنت أبي سفيان أزوّجكها» الحديث. وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والنحاس في ناسخه ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال : قدمت قتيلة بنت عبد العزّى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا : ضباب وأقط (١) وسمن وهي مشركة ، فأبت أسماء أن تقبل هديتها ، أو تدخلها بيتها ؛ حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألته ، فأنزل الله : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) الآية ، فأمرها أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها. وزاد ابن أبي حاتم : في المدّة التي كانت بين قريش ورسول الله صلىاللهعليهوسلم. وفي البخاري وغيره عن أسماء بنت أبي بكر قالت : «أتتني أمي راغبة وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فسألت النبيّ صلىاللهعليهوسلم : أأصلها؟ فأنزل الله : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ) الآية : فقال : نعم صلي أمك».
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
__________________
(١). «ضباب» : جمع ضبّة ، وهي جلد الضّبّ يدبغ ليوضع فيه السّمن.
«أقط» : لبن مجفف يابس متحجّر يطبخ به.