أن يأخذ عليهنّ أن لا يشركن (وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) وهو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) أي : لا يلحقن بأزواجهنّ ولدا ليس منهم. قال الفراء : كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها : هذا ولدي منك ، فذلك البهتان المفترى بين أيديهنّ وأرجلهنّ ، وذلك أن الولد إذا وضعته الأمّ سقط بين يديها ورجليها ، وليس المراد هنا أنها تنسب ولدها من الزنا إلى زوجها ، لأن ذلك قد دخل تحت النهي عن الزنا (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) أي : في كل أمر هو طاعة لله. قال عطاء : في كل برّ وتقوى ، وقال المقاتلان : عنى بالمعروف النهي عن النوح ، وتمزيق الثياب ، وجزّ الشعر ، وشقّ الجيب ، وخمش الوجوه ، والدعاء بالويل ، وكذا قال قتادة وسعيد بن المسيب ومحمد ابن السائب وزيد بن أسلم ، ومعنى القرآن أوسع مما قالوه. قيل : ووجه التقييد بالمعروف ، مع كونه صلىاللهعليهوسلم لا يأمر إلا به التنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق (فَبايِعْهُنَ) هذا جواب إذا ، والمعنى : إذا بايعنك على هذه الأمور فبايعهنّ ، ولم يذكر في بيعتهن الصلاة والزكاة والصيام والحج ؛ لوضوح كون هذه الأمور ونحوها من أركان الدين وشعائر الإسلام. وإنما خصّ الأمور المذكورة لكثرة وقوعها من النساء (وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ) أي : اطلب من الله المغفرة لهنّ بعد هذه المبايعة لهنّ منك (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : بليغ المغفرة والرحمة لعباده (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) هم جميع طوائف الكفر ، وقيل : اليهود خاصة ، وقيل : المنافقون خاصة. وقال الحسن : اليهود والنصارى. والأوّل أولى ؛ لأن جميع طوائف الكفر تتّصف بأن الله سبحانه غضب عليها (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) «من» لابتداء الغاية ، أي : إنهم لا يوقنون بالآخرة البتة بسبب كفرهم (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) أي : كيأسهم من بعث موتاهم لاعتقادهم عدم البعث ، وقيل : كما يئس الكفار الذين قد ماتوا منهم من الآخرة ؛ لأنهم قد وقفوا على الحقيقة ، وعلموا أنه لا نصيب لهم في الآخرة ، فتكون (مِنَ) على الوجه الأوّل ابتدائية ، وعلى الثاني بيانية ، والأوّل أولى.
وقد أخرج البخاري عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءه نساء مسلمات ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) حتى بلغ : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) فطلّق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك. وأخرجه أيضا من حديثهما بأطول من هذا ، وفيه وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممّن خرج إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهي عاتق (١) ، فجاء أهلها يسألون رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يرجعها إليهم حتى أنزل الله في المؤمنات ما أنزل. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (فَامْتَحِنُوهُنَ) قال : كان امتحانهنّ أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، فإذا علموا أن ذلك حقا منهنّ لم يرجعن إلى الكفار ، وأعطى بعلها في الكفار الذين عقد لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم صداقها الّذي أصدقها وأحلهنّ للمؤمنين إذا آتوهنّ أجورهنّ. وأخرج ابن مردويه
__________________
(١). «العاتق» : الشابة أول ما تدرك (النهاية ٣ / ١٧٨)