ملّة الإسلام ؛ ومعنى ليظهره : ليجعله ظاهرا على جميع الأديان ، عاليا عليها غالبا لها ، ولو كره المشركون ذلك فإنه كائن لا محالة. قال مجاهد : ذلك إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض دين إلا دين الإسلام ، والدّين مصدر يعبّر به عن الأديان المتعدّدة ، وجواب «لو» في الموضعين محذوف ، والتقدير : أتمه وأظهره.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : وددنا لو أن الله أخبرنا بأحبّ الأعمال فنعمل به ، فأخبر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن أحبّ الأعمال إيمان بالله لا شك فيه ، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقرّوا به ، فلما نزل الجهاد كره ذلك أناس من المؤمنين وشقّ عليهم أمره ، فقال الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ). وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في قوله : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) قال : هذه الآية في القتال وحده ، وهم قوم كانوا يأتون النبيّ صلىاللهعليهوسلم فيقول الرجل : قاتلت وضربت بسيفي ولم يفعلوا ، فنزلت. وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عنه أيضا قال : قالوا لو نعلم أحبّ الأعمال إلى الله لفعلناه ، فأخبرهم الله فقال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) فكرهوا ذلك ، فأنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا : (كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) قال : مثبت لا يزول ملصق بعضه على بعض. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الحاشر الّذي يحشر الله الناس على قدمي ، وأنا الماحي الّذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا العاقب : والعاقب الّذي ليس بعده نبيّ».
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤))
قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) جعل العمل المذكور بمنزلة التجارة لأنهم يربحون فيه كما يربحون فيها ، وذلك بدخولهم الجنة ونجاتهم من النار. قرأ الجمهور : (تُنْجِيكُمْ) بالتخفيف من الإنجاء. وقرأ الحسن وابن عامر وأبو حيوة بالتشديد من التنجية. ثم بيّن سبحانه هذه التجارة التي دلّ عليها فقال : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) وهو خبر في معنى الأمر للإيذان بوجوب الامتثال ، فكأنه قد وقع فأخبر بوقوعه ، وقدّم ذكر الأموال على الأنفس لأنها