هي التي يبدأ بها في الإنفاق والتجهّز إلى الجهاد. قرأ الجمهور : (تُؤْمِنُونَ) وقرأ ابن مسعود : «آمنوا وجاهدوا» على الأمر. قال الأخفش : تؤمنون عطف بيان لتجارة ، والأولى أن تكون الجملة مستأنفة مبينة لما قبلها ، والإشارة بقوله : (ذلِكُمْ) إلى ما ذكر من الإيمان والجهاد ، وهو مبتدأ وخبره (خَيْرٌ لَكُمْ) أي : هذا الفعل خير لكم من أموالكم وأنفسكم (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي : إن كنتم ممن يعلم فإنكم تعلمون أنه خير لكم ، لا إذا كنتم من أهل الجهل فإنكم لا تعلمون ذلك (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) هذا جواب الأمر المدلول عليه بلفظ الخبر ، ولهذا جزم. قال الزجاج والمبرد : قوله : (تُؤْمِنُونَ) في معنى آمنوا ، ولذلك جاء يغفر لكم مجزوما. وقال الفرّاء : يغفر لكم جواب الاستفهام فجعله مجزوما لكونه جواب الاستفهام ، وقد غلّطه بعض أهل العلم. قال الزجاج : ليسوا إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا. وقال الرازي في توجيه قول الفراء : إن «هل أدلكم» في معنى الأمر عنده ، يقال : هل أنت ساكت؟ أي : اسكت ، وبيانه أن هل بمعنى الاستفهام ، ثم يتدرّج إلى أن يصير عرضا وحثا ، والحثّ كالإغراء ، والإغراء أمر. وقرأ زيد بن عليّ : «تؤمنوا ، وتجاهدوا» على إضمار لام الأمر. وقيل : إن (يَغْفِرْ لَكُمْ) مجزوم بشرط مقدّر ، أي : إن تؤمنوا يغفر لكم ، وقرأ بعضهم بالإدغام في يغفر لكم ، والأولى ترك الإدغام لأن الراء حرف متكرّر فلا يحسن إدغامه في اللام (وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قد تقدّم بيان كيفية جري الأنهار من تحت الجنات (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي : في جنات إقامة (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي : ذلك المذكور من المغفرة ، وإدخال الجنات الموصوفة بما ذكر هو الفوز الّذي لا فوز بعده ، والظفر الّذي لا ظفر يماثله (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) ، قال الأخفش والفرّاء : «أخرى» معطوفة على «تجارة» فهي في محل خفض ، أي : وهل أدلّكم على خصلة أخرى تحبونها في العاجل مع ثواب الآخرة ، وقيل : هي في محل رفع ، أي : ولكم خصلة أخرى ، وقيل : في محل نصب ، أي : ويعطيكم خصلة أخرى. ثم بيّن سبحانه هذه الأخرى فقال : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) أي : هي نصر من الله لكم ، وفتح قريب يفتحه عليكم ، وقيل : نصر بدل من أخرى على تقدير كونها في محلّ رفع ، وقيل : التقدير : ولكم نصر وفتح قريب. قال الكلبي : يعني النصر على قريش وفتح مكة. وقال عطاء : يريد فتح فارس والروم (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) معطوف على محذوف ، أي : قل يا أيها الذين آمنوا وبشر ، أو على تؤمنون لأنه في معنى الأمر ، والمعنى : وبشر يا محمد المؤمنين بالنصر والفتح ، أو بشرهم بالنصر في الدنيا والفتح ، وبالجنة في الآخرة ، أو وبشرهم بالجنة في الآخرة. ثم حضّ سبحانه المؤمنين على نصرة دينه فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) أي : دوموا على ما أنتم عليه من نصرة الدين. قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع (أَنْصارَ اللهِ) بالتنوين وترك الإضافة. وقرأ الباقون بالإضافة ، والرسم يحتمل القراءتين معا ، واختار أبو عبيد قراءة الإضافة لقوله : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) بالإضافة (كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أي انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) فقالوا : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) والكاف في (كَما قالَ) نعت مصدر محذوف تقديره : كونوا كونا كما قال ، وقيل : الكاف في محل نصب على إضمار الفعل ،