وجملة (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) معترضة مقرّرة لمضمون ما قبلها ، وهو ما أظهروه من الشهادة ، وإن كانت بواطنهم على خلاف ذلك (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) أي في شهادتهم التي زعموا أنها من صميم القلب وخلوص الاعتقاد ؛ لا إلى منطوق كلامهم ، وهو الشهادة بالرسالة ، فإنه حق ، والمعنى : والله يشهد إنهم لكاذبون فيما تضمّنه كلامهم من التأكيد الدالّ على أن شهادتهم بذلك صادرة عن خلوص اعتقاد وطمأنينة قلب وموافقة باطن لظاهر (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) أي : جعلوا حلفهم الّذي حلفوا لكم به إنهم لمنكم وإن محمدا لرسول الله وقاية تقيهم منكم ، وسترة يستترون بها من القتل والأسر ، والجملة مستأنفة لبيان كذبهم وحلفهم عليه ، وقد تقدّم قول من قال إنها جواب الشرط. قرأ الجمهور : «أيمانهم» بفتح الهمزة ، وقرأ الحسن بكسرها ، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة المجادلة (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : منعوا الناس عن الإيمان والجهاد وأعمال الطاعة بسبب ما يصدر منهم من التشكيك والقدح في النبوّة. هذا معنى الصدّ الّذي بمعنى الصّرف ، ويجوز أن يكون من الصدود ، أي : أعرضوا عن الدخول في سبيل الله وإقامة أحكامه (إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من النفاق والصدّ ، وفي ساء معنى التعجب والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما تقدّم ذكره من الكذب والصدّ وقبح الأعمال ، وهو مبتدأ وخبره (بِأَنَّهُمْ آمَنُوا) أي : بسبب أنهم آمنوا في الظاهر نفاقا (ثُمَّ كَفَرُوا) في الباطن ، أو أظهروا الإيمان للمؤمنين وأظهروا الكفر للكافرين ، وهذا صريح في كفر المنافقين ، وقيل : نزلت الآية في قوم آمنوا ثم ارتدّوا. والأوّل أولى كما يفيده السياق (فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي : ختم عليها بسبب كفرهم. قرأ الجمهور : «فطبع «» على البناء للمفعول ، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور بعده ، وقرأ زيد بن عليّ على البناء للفاعل ، والفاعل ضمير يعود إلى الله سبحانه ، ويدل على هذه قراءة الأعمش «فطبع الله على قلوبهم» (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) ما فيه من صلاحهم ورشادهم وهو الإيمان (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) أي : هيئاتهم ومناظرهم ، يعني أن لهم أجساما تعجب من يراها لما فيها من النضارة والرونق (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) فتحسب أن قولهم حقّ وصدق لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم ، وقد كان عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين فصيحا جسيما جميلا ، وكان يحضر مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإذا قال سمع النبي صلىاللهعليهوسلم مقالته. قال الكلبي : المراد عبد الله بن أبيّ ، وجدّ بن قيس ، ومعتّب ابن قشير ، كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : لكلّ من يصلح له ، ويدل عليه قراءة من قرأ «يسمع» على البناء للمفعول ، وجملة : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) مستأنفة لتقرير ما تقدّم من أن أجسامهم تعجب الرائي وتروق الناظر ، ويجوز أن تكون في محل رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف ، شبهوا في جلوسهم في مجالس رسول الله صلىاللهعليهوسلم مستندين بها بالخشب المنصوبة المسندة إلى الحائط التي لا تفهم ولا تعلم ، وهم كذلك لخلوّهم عن الفهم النافع والعلم الّذي ينتفع به صاحبه ، قال الزجاج : وصفهم بتمام الصور ، ثم أعلم أنهم في ترك الفهم والاستبصار بمنزلة الخشب. قرأ الجمهور : «خشب» بضمتين ، وقرأ أبو عمرو والكسائي وقنبل بإسكان الشين ، وبها قرأ البراء بن عازب ، واختارها أبو عبيد ؛ لأن واحدتها خشبة كبدنة وبدن ، واختار القراءة الأولى أبو حاتم. وقرأ سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب بفتحتين ، ومعنى مسندة