أنها أسندت إلى غيرها ، من قولهم : أسندت كذا إلى كذا ، والتشديد للتكثير. ثم عابهم الله سبحانه بالجبن فقال : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) أي : يحسبون كل صيحة يسمعونها واقعة عليهم ، نازلة بهم ، لفرط جبنهم ورعب قلوبهم ، وفي المفعول الثاني للحسبان وجهان : أحدهما أنه عليهم ، ويكون قوله : (هُمُ الْعَدُوُّ) جملة مستأنفة لبيان أنهم الكاملون في العداوة لكونهم يظهرون غير ما يبطنون ، والوجه الثاني أن المفعول الثاني للحسبان هو قوله : (هُمُ الْعَدُوُّ) ، ويكون قوله : (عَلَيْهِمْ) متعلقا بصيحة ، وإنما جاء بضمير الجماعة باعتبار الخبر ، وكان حقه أن يقال : هو العدوّ ، والوجه الأوّل أولى. قال مقاتل والسدّي : أي : إذا نادى مناد في العسكر ، أو انفلتت دابة ، أو أنشدت ضالّة ، ظنوا أنهم المرادون لما في قلوبهم من الرعب ، ومن هذا قول الشاعر (١) :
ما زلت تحسب كلّ شيء بعدهم |
|
خيلا تكرّ عليهم ورجالا |
وقيل : كان المنافقون على وجل من أن ينزل فيهم ما يهتك أستارهم ، ويبيح دماءهم وأموالهم. ثم أمر الله سبحانه رسوله بأن يأخذ حذره منهم فقال : (فَاحْذَرْهُمْ) أن يتمكنوا من فرصة منك ، أو يطلعوا على شيء من أسرارك لأنهم عيون لأعدائك من الكفار. ثم دعا عليهم بقوله : (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي : لعنهم الله ، وقد تقول العرب هذه الكلمة على طريقة التعجب ، كقولهم : قاتله الله من شاعر ، أو ما أشعره ، وليس بمراد هنا ، بل المراد ذمهم وتوبيخهم ، وهو طلب من الله سبحانه طلبه من ذاته عزوجل أن يلعنهم ويخزيهم ، أو هو تعليم للمؤمنين أن يقولوا ذلك ؛ ومعنى (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) كيف يصرفون عن الحق ويميلون عنه إلى الكفر. قال قتادة : معناه يعدلون عن الحق. وقال الحسن : معناه يصرفون عن الرشد (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) أي : إذا قال لهم القائل من المؤمنين : قد نزل فيكم ما نزل من القرآن ، فتوبوا إلى الله ورسوله ، وتعالوا يستغفر لكم رسول الله (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) أي : حرّكوها استهزاء بذلك. قال مقاتل : عطفوا رؤوسهم رغبة عن الاستغفار. قرأ الجمهور : «لوّوا» بالتشديد. وقرأ نافع بالتخفيف ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) أي : يعرضون عن قول من قال لهم : تعالوا يستغفر لكم رسول الله ، أو يعرضون عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجملة : (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) في محل نصب على الحال من فاعل الحال الأولى ، ويه يصدّون ؛ لأن الرؤية بصرية فيصدّون في محل نصب على الحال ، والمعنى : ورأيتهم صادّين مستكبرين (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) أي : الاستغفار وعدمه سواء لا ينفعهم ذلك ؛ لإصرارهم على النفاق واستمرارهم على الكفر. قرأ الجمهور : «أستغفرت» بهمزة مفتوحة من غير مدّ ، وحذف همزة الاستفهام ثقة بدلالة أم عليها. وقرأ يزيد بن القعقاع بهمزة ثم ألف (لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) أي : ما داموا على النفاق (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي : الكاملين في الخروج عن الطاعة والانهماك في معاصي الله ، ويدخل فيهم المنافقون دخولا أوّليا. ثم ذكر سبحانه بعض قبائحهم فقال :
__________________
(١). هو الأخطل.