أنهما أحبتا ما كره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو إفشاء الحديث. وقيل : المعنى : إن تتوبا إلى الله فقد مالت قلوبكما إلى التوبة ، وقال قلوبكما ولم يقل قلبا كما لأن العرب تستكره الجمع بين تثنيتين في لفظ واحد (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) أي : تتظاهروا ، قرأ الجمهور : «تظاهرا» بحذف إحدى التاءين تخفيفا. وقرأ عكرمة «تتظاهرا» على الأصل. وقرأ الحسن وأبو رجاء ونافع وعاصم في رواية عنهم «تظّهّرا» بتشديد الظاء والهاء بدون ألف ، والمراد بالتظاهر : التعاضد والتعاون ، والمعنى : وإن تعاضدا وتعاونا في الغيرة عليه منكما وإفشاء سرّه (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) أي : فإن الله يتولّى نصره ، وكذلك جبريل ومن صلح من عباده المؤمنين ، فلن يعدم ناصرا ينصره (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ) أي : بعد نصر الله ونصر جبريل وصالح المؤمنين (ظَهِيرٌ) أي : أعوان يظاهرونه ، والملائكة مبتدأ ، وخبره ظهير. قال أبو علي الفارسي : قد جاء فعيل للكثرة ، كقوله : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) (١) قال الواحدي : وهذا من الواحد الّذي يؤدي عن الجمع كقوله : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٢) وقد تقرر في علم النحو أن مثل جريح وصبور وظهير يوصف به الواحد والمثنى والجمع. وقيل : كان التّظاهر بين عائشة وحفصة في التحكم على النبي صلىاللهعليهوسلم في النفقة (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) أي : يعطيه بدلكن أزواجا أفضل منكن ، وقد علم الله سبحانه أنه لا يطلقهن ، ولكن أخبر عن قدرته على أنه إن وقع منه الطلاق أبدله خيرا منهن تخويفا لهن ، وهو كقوله : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) (٣) فإنه إخبار عن القدرة وتخويف لهم. ثم نعت سبحانه الأزواج بقوله : (مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ) أي : قائمات بفرائض الإسلام ، مصدّقات بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره. وقال سعيد بن جبير : (مُسْلِماتٍ) أي : مخلصات. وقيل معناه : مسلمات لأمر الله ورسوله (قانِتاتٍ) مطيعات لله. والقنوت : الطاعة ، وقيل : مصلّيات (تائِباتٍ) يعني من الذنوب (عابِداتٍ) لله متذللات له. قال الحسن وسعيد بن جبير : كثيرات العبادة. (سائِحاتٍ) أي : صائمات. وقال زيد بن أسلم : مهاجرات ، وليس في أمة محمد صلىاللهعليهوسلم سياحة إلا الهجرة. قال ابن قتيبة والفراء وغيرهما : وسمي الصيام سياحة لأن السائح لا زاد معه. وقيل المعنى : ذاهبات في طاعة الله ، من ساح الماء إذا ذهب ، وأصل السياحة : الجولان في الأرض ، وقد مضى الكلام على السياحة في سورة براءة. (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) وسط بينهما العاطف لتنافيهما ، والثيبات : جمع ثيب ، وهي المرأة التي قد تزوجت ثم ثابت عن زوجها فعادت كما كانت غير ذات زوج. والأبكار : جمع بكر ، وهي العذراء ، سميت بذلك لأنها على أول حالها التي خلقت عليه.
وقد أخرج البخاري وغيره عن عائشة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها لبنا أو عسلا ، فتواصيت أنا وحفصة أنّ أيّتنا دخل عليها النبي صلىاللهعليهوسلم فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ، فدخل على إحداهما فقالت ذلك له ، فقال : لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش ، ولن أعود ، فنزلت :
__________________
(١). المعارج : ١٠.
(٢). النساء : ٦٩.
(٣). محمد : ٣٨.