أَثِيمٍ) أي : متجاوز الحدّ في الظلم ، كثير الإثم (عُتُلٍ) قال الواحدي : المفسرون يقولون هو الشديد الخلق الفاحش الخلق. وقال الفراء : هو الشديد الخصومة في الباطل. وقال الزجّاج : هو الغليظ الجافي. وقال الليث : هو الأكول المنوع ، يقال : عتلت الرجل أعتله ؛ إذا جذبته جذبا عنيفا ، ومنه قول الشاعر (١) :
نفرعه فرعا ولسنا نعتله
(بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) أي : هو بعد ما عدّ من معايبه زنيم ، والزنيم والدّعيّ : الملصق بالقوم وليس هو منهم ؛ مأخوذ من الزّنمة المتدلية في حلق الشاة ، أو الماعز ، ومنه قول حسان :
زنيم تداعاه الرّجال زيادة |
|
كما زيد في عرض الأديم الأكارع |
وقال سعيد بن جبير : الزنيم : المعروف بالشرّ ، وقيل : هو رجل من قريش كان له زنمة كزنمة الشاة ، وقيل : هو الظلوم. (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) متعلق بقوله : (لا تُطِعْ) أي : لا تطع من هذه مثالبه لكونه ذا مال وبنين. قال الفراء والزجاج : أي لأن كان ، والمعنى : لا تطعه لماله وبنيه. قرأ ابن عامر وأبو جعفر والمغيرة وأبو حيوة (أَنْ كانَ) بهمزة واحدة ممدودة على الاستفهام. وقرأ حمزة وأبو بكر والمفضّل أأن كان بهمزتين مخففتين ، وقرأ الباقون بهمزة واحدة على الخبر ، وعلى قراءة الاستفهام يكون المراد به التوبيخ والتقريع حيث جعل مجازاة النعم التي خوّله الله من المال والبنين أن كفر به وبرسوله. وقرأ نافع في رواية عنه بكسر الهمزة على الشرط ، وجملة (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) مستأنفة جارية مجرى التعليل للنهي ، وقد تقدّم معنى أساطير الأوّلين في غير موضع (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) أي : سنسمه بالكيّ على خرطومه. قال أبو عبيدة وأبو زيد والمبرد : الخرطوم : الأنف. قال مقاتل : سنسمه بالسواد على الأنف ، وذلك أنه يسود وجهه قبل دخول النار. قال الفراء : والخرطوم وإن كان قد خصّ بالسّمة فإنه في مذهب (٢) الوجه ، لأن بعض الوجه يؤدي عن بعض. قال الزجاج : سيجعل له في الآخرة العلم الّذي يعرف به أهل النار من اسوداد وجوههم. وقال قتادة : سنلحق به شيئا لا يفارقه ، واختار هذا ابن قتيبة ، قال : والعرب تقول : قد وسمه ميسم سوء ؛ يريدون ألصق به عارا لا يفارقه ، فالمعنى : أن الله ألحق به عارا لا يفارقه ، كالوسم على الخرطوم ، وقيل : معنى سنسمه : سنحطمه بالسيف. وقال النضر بن شميل : المعنى سنحدّه على شرب الخمر ، وقد يسمى الخمر بالخرطوم ، ومنه قول الشاعر :
تظلّ يومك في لهو وفي طرب |
|
وأنت باللّيل شرّاب الخراطيم |
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، والخطيب في
__________________
(١). هو أبو النجم الرّاجز.
(٢). في تفسير القرطبي : معنى.