أي : برسالة. (فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) أي : أخذهم الله أخذة نامية زائدة على أخذات الأمم ، والمعنى : أنها بالغة في الشدّة إلى الغاية ، يقال : ربا الشيء يربو ؛ إذا زاد وتضاعف. قال الزجاج : تزيد على الأخذات. قال مجاهد : شديدة (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) أي : تجاوز في الارتفاع والعلوّ ، وذلك في زمن نوح لما أصرّ قومه على الكفر وكذبوه ، وقيل : طغى على خزّانه من الملائكة غضبا لربه فلم يقدروا على حبسه. قال قتادة : زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعا (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) أي : في أصلاب آبائكم ، أو حملناهم وحملناكم في أصلابهم تغليبا للمخاطبين على الغائبين. والجارية : سفينة نوح ، وسمّيت جارية لأنها تجري في الماء ، ومحل «في الجارية» النصب على الحال ، أي : رفعناكم فوق الماء حال كونكم في السفينة ، ولما كان المقصود من ذكر قصص هذه الأمم ، وذكر ما حلّ بهم من العذاب ، زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول ، قال : (لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً) أي : لنجعل هذه الأمور المذكورة لكم ، يا أمة محمّد ، عبرة وموعظة ؛ تستدلون بها على عظيم قدرة الله وبديع صنعه ، أو لنجعل هذه الفعلة التي هي عبارة عن إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين لكم تذكرة ، (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) أي : تحفظها بعد سماعها أذن حافظة لما سمعت. قال الزجاج : يقال وعيت كذا ، أي : حفظته في نفسي ، أعيه وعيا ، ووعيت العلم ، ووعيت ما قلته ؛ كلّه بمعنى ، وأوعيت المتاع في الوعاء ، ويقال لكل ما وعيته في غير نفسك : أوعيته بالألف ، ولما حفظته في نفسك : وعيته بغير ألف. قال قتادة في تفسير الآية : أذن سمعت وعقلت ما سمعت. قال الفراء : المعنى لتحفظها كل أذن ؛ عظة لمن يأتي بعد. قرأ الجمهور (تَعِيَها) بكسر العين. وقرأ طلحة بن مصرّف وحميد الأعرج وأبو عمرو في رواية عنه بإسكان العين ، تشبيها لهذه الكلمة برحم وشهد ، وإن لم تكن من ذلك. قال الرازي : وروي عن ابن كثير إسكان العين ، جعل حرف المضارعة مع ما بعده بمنزلة كلمة واحدة ، فخفف وأسكن ، كما أسكن الحرف المتوسط من فخذ وكبد وكتف انتهى. والأولى أن يكون هذا من باب إجراء الوصل مجرى الوقف ، كما في قراءة من قرأ (وَما يُشْعِرُكُمْ) (١) بسكون الراء ، قال القرطبي : واختلفت القراءة فيها عن عاصم وابن كثير ، يعني تعيها (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) هذا شروع في بيان الحاقة ، وكيف وقوعها ، بعد بيان شأنها بإهلاك المكذبين. قال عطاء : يريد النفخة الأولى. وقال الكلبي ومقاتل : يريد النفخة الأخيرة. قرأ الجمهور : (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) بالرفع فيهما على أن نفخة مرتفعة على النيابة ، وواحدة تأكيد لها ، وحسن تذكير الفعل لوقوع الفصل ، وقرأ أبو السّمّال بنصبهما على أن النائب هو الجار والمجرور. قال الزجاج : قوله : (فِي الصُّورِ) يقوم مقام ما لم يسمّ فاعله (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) أي : رفعت من أماكنها وقلعت عن مقارّها بالقدرة الإلهية. قرأ الجمهور : (حُمِلَتِ) بتخفيف الميم. وقرأ الأعمش وابن أبي عبلة وابن مقسم وابن عامر في رواية عنه بتشديدها للتكثير أو للتعدية (فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) أي : فكسرتا كسرة واحدة لا زيادة عليها ، أو ضربتا ضربة واحدة بعضهما ببعض حتى صارتا كثيبا مهيلا وهباء منبثا. قال الفراء : ولم
__________________
(١). الأنعام : ١٠٩.