وقال المبرّد : هو من قولك : حسمت الشيء ؛ إذا قطعته وفصلته عن غيره ، وقيل : الحسم : الاستئصال ، ويقال للسيف حسام ؛ لأنه يحسم العدوّ عما يريده من بلوغ عداوته ، والمعنى : أنها حسمتهم ، أي : قطعتهم وأذهبتهم ، ومنه قول الشاعر :
فأرسلت ريحا دبورا عقيما |
|
فدارت عليهم فكانت حسوما |
قال ابن زيد : أي حسمتهم فلم تبق منهم أحدا. وروي عنه أنه قال : حسمت الأيام والليالي حتى استوفتها ، لأنها بدأت بطلوع الشمس من أوّل يوم وانقطعت بغروب الشمس من آخر يوم. وقال الليث : الحسوم هي الشؤم ، أي : تحسم الخير عن أهلها ، كقوله : (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) (١).
واختلف في أوّلها ، فقيل : غداة الأحد ، وقيل : غداة الجمعة ، وقيل : غداة الأربعاء. قال وهب : وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز ، كان فيها برد شديد وريح شديدة ، وكان أوّلها يوم الأربعاء ، وآخرها يوم الأربعاء. (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) الخطاب لكلّ من يصلح له على تقدير أنه لو كان حاضرا حينئذ لرأى ذلك ، والضمير في فيها يعود إلى الليالي والأيام ، وقيل : إلى مهاب الريح ، والأوّل أولى. وصرعى : جمع صريع ، يعني : موتى (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) أي : أصول نخل ساقطة ، أو بالية ، وقيل : خالية لا جوف فيها ، والنخل يذكّر ويؤنّث ، ومثله قوله : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (٢) وقد تقدّم تفسيره ، وهو إخبار عن عظم أجسامهم. قال يحيى بن سلام : إنما قال خاوية لأن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) أي : من فرقة باقية ، أو من نفس باقية ، أو من بقيّة ، على أن باقية مصدر كالعاقبة والعافية. قال ابن جريج : أقاموا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عذاب الريح ، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا ، فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) أي : من الأمم الكافرة. قرأ الجمهور قبله بفتح القاف وسكون الباء ، أي : ومن تقدّمه من القرون الماضية والأمم الخالية ، وقرأ أبو عمرو والكسائي بكسر القاف وفتح الباء ، أي : ومن هو في جهته من أتباعه ، واختار أبو حاتم وأبو عبيد القراءة الثانية لقراءة ابن مسعود وأبيّ «ومن معه» ، ولقراءة أبي موسى «ومن تلقاءه» (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) قرأ الجمهور : (الْمُؤْتَفِكاتُ) بالجمع وهي قرى قوم لوط ، وقرأ الحسن والجحدري : المؤتفكة بالإفراد ، واللام للجنس ، فهي في معنى الجمع ، والمعنى : وجاءت المؤتفكات (بِالْخاطِئَةِ) أي : بالفعلة الخاطئة ، أو الخطأ على أنها مصدر. والمراد أنها جاءت بالشرك والمعاصي. قال مجاهد : بالخطايا. وقال الجرجانيّ : بالخطإ العظيم (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) أي : فعصت كلّ أمة رسولها المرسل إليها. قال الكلبي : هو موسى : وقيل : لوط لأنه أقرب ، وقيل : ورسول هنا بمعنى رسالة ، ومنه قول الشاعر (٣) :
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم |
|
بسرّ ولا أرسلتهم برسول |
__________________
(١). فصلت : ١٦.
(٢). القمر : ٢٠.
(٣). هو كثيّر عزّة.