والمعنى : إنه لقول رسول كريم ، وهو تنزيل من ربّ العالمين على لسانه (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) أي : ولو تقوّل ذلك الرسول ، وهو محمد ، أو جبريل على ما تقدّم ، والتقوّل : تكلف القول ، والمعنى : لو تكلّف ذلك وجاء به من جهة نفسه ، وسمّي الافتراء تقوّلا لأنه قول متكلّف ، وكلّ كاذب يتكلّف ما يكذب به. قرأ الجمهور : (تَقَوَّلَ) مبنيا للفاعل. وقرئ مبنيا للمفعول مع رفع بعض. وقرأ ابن ذكوان ولو يقول على صيغة المضارع ، والأقاويل : جمع أقوال ، والأقوال : جمع قول (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) أي : بيده اليمين ، قال ابن جرير : إن هذا الكلام خرج مخرج الإذلال على عادة الناس في الأخذ بيد من يعاقب. وقال الفراء والمبرد والزجاج وابن قتيبة : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) أي : بالقوّة والقدرة. قال ابن قتيبة : وإنما أقام اليمين مقام القوّة ؛ لأن قوّة كلّ شيء في ميامنه ، ومن هذا قول الشاعر (١) :
إذا ما راية نصبت لمجد |
|
تلقّاها عرابة (٢) باليمين |
وقول الآخر :
ولمّا رأيت الشّمس أشرق نورها |
|
تناولت منها حاجتي بيميني |
(ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) الوتين : عرق يجري في الظهر حتى يتّصل بالقلب ، وهو تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه. قال الواحدي : والمفسرون يقولون : إنه نياط القلب انتهى. ومن هذا قول الشاعر :
إذا بلّغتني وحملت رحلي |
|
عرابة فاشرقي (٣) بدم الوتين |
(فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) أي : ليس منكم أحد يحجزنا عنه ويدفعنا منه ، فكيف يتكلّف الكذب على الله لأجلكم ؛ مع علمه أنه لو تكلف ذلك لعاقبناه ، ولا تقدرون على الدّفع منه ، والحجز : المنع ، و (حاجِزِينَ) صفة لأحد ، أو خبر لما الحجازية (وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) أي : إن القرآن لتذكرة لأهل التقوى لأنهم المنتفعون به (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) أي : أن بعضكم يكذب بالقرآن فنحن نجازيهم على ذلك ، وفي هذا وعيد شديد (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) أي : وإن القرآن لحسرة وندامة على الكافرين يوم القيامة عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين ، وقيل : هي حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحدّيهم بأن يأتوا بسورة من مثله (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) أي : وإن القرآن لكونه من عند الله حقّ فلا يحوم حوله ريب ، ولا يتطرّق إليه شك (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أي : نزّهه عمّا لا يليق به ، وقيل : فصلّ لربك ، والأوّل أولى.
__________________
(١). هو الشّماخ.
(٢). هو عرابة بن أوس الأوسي الأنصاري ، من سادات المدينة الأجواد ، أدرك حياة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأسلم ، وتوفي بالمدينة.
(٣). «شرق» : غصّ.