أي : ضلّ بسببها كثير من الناس كقول إبراهيم (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) (١) وأجرى عليهم ضمير من يعقل ؛ لاعتقاد الكفار الذين يعبدونها أنها تعقل (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) معطوف على (رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) ووضع الظاهر موضع المضمر تسجيلا عليهم بالظلم. وقال أبو حيان : إنه معطوف على «قد أضلّوا» ، ومعنى «إلا ضلالا» : إلا عذابا ، كذا قال ابن بحر ، واستدلّ على ذلك بقوله : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (٢) ، وقيل : إلا خسرانا ، وقيل : إلا فتنة بالمال والولد ، وقيل : الضياع ، وقيل : ضلالا في مكرهم. (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا) «ما» مزيدة للتأكيد ، والمعنى : من خطيئاتهم ، أي : من أجلها وبسببها أغرقوا بالطوفان (فَأُدْخِلُوا ناراً) عقب ذلك ، وهي نار الآخرة ، وقيل : عذاب القبر. قرأ الجمهور : (خَطِيئاتِهِمْ) على جمع السلامة ، وقرأ أبو عمرو : (خَطاياهُمْ) على جمع التكسير ، وقرأ الجحدري وعمرو بن عبيد والأعمش وأبو حيوة وأشهب العقيلي «خطيئتهم» على الإفراد. قال الضحاك : عذّبوا بالنار في الدنيا مع الغرق في حالة واحدة ، كانوا يغرقون في جانب ويحترقون في جانب. قرأ الجمهور : (أُغْرِقُوا) من أغرق ، وقرأ زيد بن عليّ غرقوا بالتشديد (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) أي : لم يجدوا أحدا يمنعهم من عذاب الله ويدفعه عنهم (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) معطوف على (قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) لما أيس نوح عليهالسلام من إيمانهم وإقلاعهم عن الكفر دعا عليهم بالهلاك. قال قتادة : دعا عليهم بعد أن أوحي إليه (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) فأجاب الله دعوته وأغرقهم. وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع بن أنس وابن زيد وعطية : إنما قال هذا حين أخرج الله كلّ مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم ، وأعقم أرحام النساء وأصلاب الآباء قبل العذاب بسبعين سنة ، وقيل : بأربعين. قال قتادة : لم يكن فيهم صبيّ وقت العذاب. وقال الحسن وأبو العالية : لو أهلك الله أطفالهم معهم كان عذابا من الله لهم وعدلا فيهم ، ولكن أهلك ذرّيتهم وأطفالهم بغير عذاب ، ثم أهلكهم بالعذاب ، ومعنى «ديّارا» : من يسكن الديار ، وأصله ديوار على فيعال ، من دار يدور ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت إحداهما في الأخرى ، مثل القيّام ؛ أصله قيوام ، وقال القتبيّ : أصله من الدار ؛ أي نازل بالدار ، يقال : ما بالدار ديّار ، أي : أحد ، وقيل : الديّار : صاحب الديار ، والمعنى : لا تدع أحدا منهم إلا أهلكته (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ) إن تتركهم على الأرض يضلوا عبادك عن طريق الحقّ (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) أي : إلا فاجرا بترك طاعتك كفارا لنعمتك ، أي : كثير الكفران لها ، والمعنى : إلا من سيفجر ويكفر. ثم لما دعا على الكافرين أتبعه بالدعاء لنفسه ووالديه والمؤمنين ، فقال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) وكانا مؤمنين ، وأبوه : لامك بن متوشلخ كما تقدّم ، وأمه شمخى بنت أنوش ، وقيل : أراد آدم وحواء. وقال سعيد بن جبير : أراد بوالديه أباه وجدّه. وقرأ سعيد بن جبير : (وَلِوالِدَيَ) بكسر الدال على الإفراد. (وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ) قال الضحاك والكلبي : يعني مسجده ، وقيل : منزله الّذي هو
__________________
(١). إبراهيم : ٣٦.
(٢). القمر : ٤٧.