من غير أن ترقبوا وقتا. قال الحسن : هو ما نقرأ في صلاة المغرب والعشاء. قال السدّي : ما تيسّر منه هو مائة آية. قال الحسن : أيضا من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن : وقال كعب : من قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين ، وقال سعيد : خمسون آية ، وقيل : معنى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) فصلوا ما تيسّر لكم من صلاة الليل ، والصلاة تسمّى قرآنا كقوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) (١) قيل : إنّ هذه الآية نسخت قيام الليل ونصفه ، والنقصان من النصف ، والزيادة عليه. فيحتمل أن يكون ما تضمّنته هذه الآية فرضا ثابتا ، ويحتمل أن يكون منسوخا لقوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٢). قال الشافعي : الواجب طلب الاستدلال بالسنة على أحد المعنيين ، فوجدنا سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم تدلّ على أن لا واجب من الصلاة إلا الخمس. وقد ذهب قوم إلى أن قيام الليل نسخ في حقه صلىاللهعليهوسلم وفي حق أمته. وقيل : نسخ التقدير بمقدار ، وبقي أصل الوجوب. وقيل : إنه نسخ في حق الأمة ، وبقي فرضا في حقه صلىاللهعليهوسلم ، والأولى القول بنسخ قيام الليل على العموم في حقه صلىاللهعليهوسلم وفي حق أمته ، وليس في قوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) ما يدل على بقاء شيء من الوجوب ؛ لأنه إن كان المراد به القراءة من القرآن فقد وجدت في صلاة المغرب والعشاء وما يتبعهما من النوافل المؤكدة ، وإن كان المراد به الصلاة من الليل ؛ فقد وجدت صلاة الليل بصلاة المغرب والعشاء وما يتبعهما من التطوّع. وأيضا الأحاديث الصحيحة المصرّحة بقول السائل لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل عليّ غيرها؟ يعني الصلوات الخمس فقال : «لا ، إلا أن تطوّع» تدل على عدم وجوب غيرها ، فارتفع بهذا وجوب قيام الليل وصلاته على الأمة ، كما ارتفع وجوب ذلك على النبيّ صلىاللهعليهوسلم بقوله : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) (٣) قال الواحدي : قال المفسرون في قوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) كان هذا في صدر الإسلام ، ثم نسخ بالصلوات الخمس عن المؤمنين ، وثبت على النبيّ صلىاللهعليهوسلم خاصة ، وذلك قوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ). ثم ذكر سبحانه عذرهم فقال : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) فلا يطيقون قيام الليل (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) أي : يسافرون فيها للتجارة والأرباح يطلبون من رزق الله ما يحتاجون إليه في معاشهم ، فلا يطيقون قيام الليل (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) يعني المجاهدين فلا يطيقون قيام الليل. ذكر سبحانه ها هنا ثلاثة أسباب مقتضية للترخيص ، ورفع وجوب قيام الليل ، فرفعه عن جميع الأمة لأجل هذه الأعذار التي تنوب بعضهم. ثم ذكر ما يفعلونه بعد هذا الترخيص فقال : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) وقد سبق تفسيره قريبا ، والتكرير للتأكيد (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) يعني المفروضة ، وهي الخمس لوقتها (وَآتُوا الزَّكاةَ) يعني الواجبة في الأموال. وقال الحارث العكلي : هي صدقة الفطر ؛ لأن زكاة الأموال وجبت بعد ذلك ، وقيل : صدقة التطوّع ، وقيل : كل أفعال الخير (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي : أنفقوا في سبيل الخير من أموالكم إنفاقا حسنا. وقد مضى تفسيره في سورة الحديد. قال زيد بن أسلم : القرض الحسن : النفقة على الأهل ، وقيل : النفقة في الجهاد ، وقيل : هو إخراج الزكاة
__________________
(١). الإسراء : ٧٨.
(٢). الإسراء : ٧٩.
(٣). الإسراء : ٧٩.