وقيل : هي للنفي ، لكن لا لنفي الإقسام ، بل لنفي ما ينبئ عنه من إعظام المقسم به وتفخيمه ، كأن معنى لا أقسم بكذا : لا أعظمه بإقسامي به حقّ إعظامه ، فإنه حقيق بأكثر من ذلك وقيل : إنها لنفي الإقسام لوضوح الأمر ، وقد تقدّم الكلام على هذا في تفسير قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) (١) وقرأ الحسن وابن كثير في رواية عنه والزهري وابن هرمز لأقسم بدون ألف على أن اللام لام الابتداء ، والقول الأوّل هو أرجح هذه الأقوال ، وقد اعترض عليه الرازي بما لا يقدح في قوته ولا يفتّ في عضد رجحانه ، وإقسامه سبحانه بيوم القيامة لتعظيمه وتفخيمه ، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) ذهب قوم إلى أنه سبحانه أقسم بالنفس اللوّامة كما أقسم بيوم القيامة ، فيكون الكلام في «لا» هذه كالكلام في الأولى ، وهذا قول الجمهور. وقال الحسن : أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوّامة. قال الثعلبي : والصحيح أنه أقسم بهما جميعا ، ومعنى النفس اللوّامة : النفس التي تلوم صاحبها على تقصيره ، أو تلوم جميع النفوس على تقصيرها. قال الحسن : هي والله نفس المؤمن ، لا يرى المؤمن إلا يلوم نفسه ما أردت بكذا؟ ما أردت بكذا؟ والفاجر لا يعاتب نفسه. قال مجاهد : هي التي تلوم على ما فات وتندم ، فتلوم نفسها على الشرّ لم تعمله؟ وعلى الخير لم لم تستكثر منه؟ قال الفرّاء : ليس من نفس برّة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها ، إن كانت عملت خيرا قالت : هلا ازددت! وإن كانت عملت سوءا قالت : ليتني لم أفعل. وعلى هذا فالكلام خارج مخرج المدح للنفس ، فيكون الإقسام بها حسنا سائغا. وقيل : اللوّامة هي الملومة المذمومة ، فهي صفة ذمّ ، وبهذا احتج من نفى أن يكون قسما ، إذ ليس لنفس العاصي خطر يقسم له. قال مقاتل : هي نفس الكافر يلوم نفسه ويتحسر في الآخرة على ما فرّط في جنب الله ، والأوّل أولى.
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) المراد بالإنسان الجنس ، وقيل : الإنسان الكافر ، والهمزة للإنكار ، وأن هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف ، والمعنى : أيحسب الإنسان أن الشأن أن لن نجمع عظامه بعد أن صارت رفاتا ، فنعيدها خلقا جديدا ، وذلك حسبان باطل ، فإنا نجمعها ، وما يدلّ عليه هذا الكلام هو جواب القسم. قال الزجاج : أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوّامة ليجمعنّ العظام للبعث ، فهذا جواب القسم. وقال النحاس : جواب القسم محذوف ، أي : ليبعثنّ ، والمعنى : أن الله سبحانه يبعث جميع أجزاء الإنسان ، وإنما خصّ العظام لأنها قالب الخلق (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) بلى إيجاب لما بعد النفي المنسحب إليه الاستفهام ، والوقف على هذا اللفظ وقف حسن ، ثم يبتدئ الكلام بقوله : (قادِرِينَ) وانتصاب قادرين على الحال ، أي : بلى نجمعها قادرين ، فالحال من ضمير الفعل المقدّر ، وقيل : المعنى : بلى نجمعها نقدر قادرين. قال الفراء : أي نقدر ، ونقوى ، قادرين على أكثر من ذلك. وقال أيضا : إنه يصلح نصبه على التكرير ، أي : بلى فليحسبنا قادرين ، وقيل : التقدير : بلى كنا قادرين. وقرأ ابن أبي عبلة وابن السّميقع (بَلى قادِرِينَ) على تقدير مبتدأ ، أي : بلى نحن قادرون ، ومعنى (عَلى أَنْ نُسَوِّيَ
__________________
(١). الواقعة : ٧٥.