بَنانَهُ) على أن نجمع بعضها إلى بعض ، فنردّها كما كانت مع لطافتها وصغرها ، فكيف بكبار الأعضاء ، فنبّه سبحانه بالبنان ، وهي الأصابع على بقية الأعضاء ، وأن الاقتدار على بعثها وإرجاعها كما كانت أولى في القدرة من إرجاع الأصابع الصغيرة اللطيفة المشتملة على المفاصل والأظافر والعروق اللطاف والعظام الدقاق ، فهذا وجه تخصيصها بالذكر ، وبهذا قال الزجاج وابن قتيبة. وقال جمهور المفسرين : إن معنى الآية أن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا ، كخف البعير وحافر الحمار صفيحة واحدة لا شقوق فيها ، فلا يقدر على أن ينتفع بها في الأعمال كالكتابة والخياطة ونحوهما ، ولكنا فرقنا أصابعه لينتفع بها. وقيل : المعنى : بل نقدر على أن نعيد الإنسان في هيئة البهائم ، فكيف في صورته التي كانت عليها ، والأوّل أولى ، ومنه قول عنترة :
وأنّ الموت طوع يدي إذا ما |
|
وصلت بنانها بالهندواني |
فنبه بالبنان على بقية الأعضاء. (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) هو عطف على أيحسب ، إما على أنه استفهام مثله ، وأضرب عن التوبيخ بذلك إلى التوبيخ بهذا ، أو على أنه إيجاب انتقل إليه من الاستفهام. والمعنى : بل يريد الإنسان أن يقدم فجوره فيما بين يديه من الأوقات ، وما يستقبله من الزمان ، فيقدم الذنب ويؤخّر التوبة. قال ابن الأنباري : يريد أن يفجر ما امتدّ عمره ، وليس في نيته أن يرجع عن ذنب يرتكبه. قال مجاهد والحسن وعكرمة والسدّي وسعيد بن جبير : يقول سوف أتوب ولا يتوب حتى يأتيه الموت. وهو على أشرّ أحواله. قال الضحاك : هو الأمل ، يقول سوف أعيش وأصيب من الدنيا ، ولا يذكر الموت. والفجور : أصله الميل عن الحقّ ، فيصدق على كل من مال عن الحق بقول أو فعل ، ومنه قول الشاعر :
أقسم بالله أبو حفص عمر |
|
ما مسّها من نقب ولا دبر |
فاغفر له اللهمّ إن كان فجر
وجملة (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) مستأنفة لبيان معنى يفجر ، والمعنى : يسأل متى يوم القيامة سؤال استبعاد واستهزاء (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) أي : فزع وتحير ، من برق الرجل ؛ إذا نظر إلى البرق فدهش بصره. قرأ الجمهور : (بَرِقَ) بكسر الراء. قال أبو عمرو بن العلاء والزجاج وغيرهما : المعنى تحيّر فلم يطرف ، ومنه قول ذي الرّمّة :
ولو أنّ لقمان الحكيم تعرّضت |
|
لعينيه ميّ سافرا كاد يبرق |
وقال الخليل والفراء : برق بالكسر : فزع وبهت وتحيّر ، والعرب تقول للإنسان المبهوت : قد برق فهو برق ، وأنشد الفرّاء :
فنفسك فانع ولا تنعني |
|
وداو الكلوم ولا تبرق (١) |
أي : لا تفزع من كثرة الكلوم التي بك. وقرأ نافع وأبان عن عاصم (بَرِقَ) بفتح الراء ، أي : لمع
__________________
(١). البيت لطرفة.