ولا بالقرآن ، ولا صلّى لربه ، والضمير يرجع إلى الإنسان المذكور في أوّل هذه السورة. قال قتادة : فلا صدّق بكتاب الله ولا صلّى لله ، وقيل : فلا آمن بقلبه ولا عمل ببدنه. قال الكسائي لا بمعنى لم ، وكذا قال الأخفش : والعرب تقول : لا ذهب ، أي : لم يذهب ، وهذا مستفيض في كلام العرب ، ومنه :
إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا |
|
وأيّ عبد لك لا ألمّا |
(وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) أي : كذّب بالرسول وبما جاء به ، وتولّى عن الطاعة والإيمان (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) أي : يتبختر ويختال في مشيته افتخارا بذلك. وقيل : هو مأخوذ من المطي وهو الظهر ، والمعنى : يلوي مطاه. وقيل : أصله يتمطط ، وهو التمدّد والتثاقل ، أي : يتثاقل ويتكاسل عن الداعي إلى الحق (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ـ ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) أي : وليك الويل ، وأصله أولاك الله ما تكرهه ، واللام مزيدة كما في (رَدِفَ لَكُمْ) (١) وهذا تهديد شديد ، والتكرير للتأكيد ، أي : يتكرر عليك ذلك مرة بعد مرة. قال الواحدي : قال المفسرون : أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيد أبي جهل ، ثم قال : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) فقال أبو جهل : بأيّ شيء تهدّدني لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا ، وإني لأعزّ أهل هذا الوادي ، فنزلت هذه الآية. وقيل : معناه : الويل لك ، ومنه قول الخنساء :
هممت بنفسي كل الهموم |
|
فأولى لنفسي أولى لها |
وعلى القول بأنه الويل ، قيل : هو من المقلوب كأنه قيل : أويل لك ، ثم أخّر الحرف المعتل. قيل : ومعنى التكرير لهذا اللفظ أربع مرات ، والويل لك حيا ، والويل لك ميتا ، والويل لك يوم البعث ، والويل لك يوم تدخل النار. وقيل : المعنى : إن الذمّ لك أولى لك من تركه. وقيل : المعنى : أنت أولى وأجدر بهذا العذاب قاله ثعلب. وقال الأصمعي : أولى في كلام العرب معناه مقاربة الهلاك. قال المبرّد : كأنه يقول : قد وليت الهلاك وقد دانيته ، وأصله من الولي ، وهو القرب ، وأنشد الفراء :
فأولى أن يكون لك الولاء (٢)
أي : قارب أن يكون لك ، وأنشد أيضا :
أولى لمن هاجت له أن يكمدا
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) أي : هملا ، لا يؤمر ولا ينهى ، ولا يحاسب ولا يعاقب ، وقال السدي : معناه المهمل ، ومنه إبل سدى ، أي : ترعى بلا راع ، وقيل : المعنى : أيحسب أن يترك في قبره كذلك أبدا لا يبعث. وجملة (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) مستأنفة ، أي : ألم يك ذلك الإنسان قطرة من منّي يراق في الرحم ، وسمّي المنيّ منيا لإراقته ، والنطفة : الماء القليل ، يقال : نطف الماء ؛ إذا قطر.
__________________
(١). النمل : ٧٢.
(٢). في القرطبي قاله الأصمعي هكذا : وأولى أن يكون له الولاء.