قرأ الجمهور (أَلَمْ يَكُ) بالتحتية على إرجاع الضمير إلى الإنسان. وقرأ الحسن بالفوقية على الالتفات إليه توبيخا له. وقرأ الجمهور أيضا : تمنى بالفوقية على أن الضمير للنطفة. وقرأ حفص وابن محيصن ومجاهد ويعقوب بالتحتية على أن الضمير للمني ، ورويت هذه القراءة عن أبي عمرو ، واختارها أبو حاتم (ثُمَّ كانَ عَلَقَةً) أي : كان بعد النطفة علقة ، أي : دما (فَخَلَقَ) أي : فقدّر بأن جعلها مضغة مخلّقة (فَسَوَّى) أي : فعدّله وكمل نشأته ونفخ فيه الروح (فَجَعَلَ مِنْهُ) أي : حصل من الإنسان ، وقيل : من المنيّ (الزَّوْجَيْنِ) أي : الصنفين من نوع الإنسان. ثم بين ذلك فقال : (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) أي : الرجل والمرأة (أَلَيْسَ ذلِكَ) أي : أليس ذلك الّذي أنشأ هذا الخلق البديع وقدر عليه (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) أي : يعيد الأجسام بالبعث كما كانت عليه في الدنيا ؛ فإن الإعادة أهون من الابتداء ، وأيسر مؤنة منه. قرأ الجمهور : (بِقادِرٍ) وقرأ زيد بن عليّ : يقدر فعلا مضارعا ، وقرأ الجمهور : (يُحْيِيَ) بنصبه بأن. وقرأ طلحة بن سليمان والفياض بن غزوان بسكونها تخفيفا ، أو على إجراء الوصل مجرى الوقف كما مرّ في مواضع.
وقد أخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) قال : تنتزع نفسه حتى إذا كانت في تراقيه ، قيل : من يرقى بروحه ؛ ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب؟ (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) قال : التفت عليه الدنيا والآخرة وملائكة العذاب أيهم يرقى به. وأخرج عبد ابن حميد عنه (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) قال : من راق يرقي. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) يقول : آخر يوم من أيام الدنيا وأوّل يوم من أيام الآخرة ، فتلتقي الشدّة بالشدّة إلا من رحم الله. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا (يَتَمَطَّى) قال : يختال.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال : سألت ابن عباس عن قوله : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) أشيء قاله رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبي جهل من قبل نفسه ، أم أمره الله به؟ قال : بل قاله من قبل نفسه ، ثم أنزله الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) قال : هملا. وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري عن صالح أبي الخليل قال : «كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا قرأ هذه الآية (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) قال : سبحانك اللهم وبلى». وأخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب قال : لما نزلت هذه الآية (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) قال الرسول صلىاللهعليهوسلم : «سبحانك ربي وبلى». وأخرج ابن النجار في تاريخه عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول عند قراءته لهذه الآية : «بلى وأنا على ذلك من الشاهدين». وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن المنذر ، والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قرأ منكم والتين والزيتون فانتهى إلى آخرها» : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (١) فليقل : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين. ومن قرأ : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) فانتهى
__________________
(١). التين : ٨.