جاز ، ومن لم يجيء بجواز حبس. وقال مقاتل : محبسا ، وقيل : طريقا وممرّا ، قال في الصحاح : الراصد للشيء الراقب له ، يقال : رصده يرصده رصدا ، والترصّد : الترقّب ، والمرصد : موضع الرّصد. قال الأصمعي : رصدته أرصده : ترقبته ، ومعنى الآية : إن جهنم كانت في حكم الله وقضائه موضع رصد ؛ يرصد فيه خزنة النار الكفار ليعذبوهم فيها ، أو هي في نفسها متطلعة لمن يأتي إليها من الكفار كما يتطلع الرصد لمن يمرّ به ويأتي إليهم ، والمرصاد مفعال من أبنية المبالغة كالمعطار والمغيار ، فكأنه يكثر من جهنم انتظار الكفار. ثم ذكر من هي مرصد له فقال : (لِلطَّاغِينَ مَآباً) أي : مرجعا يرجعون إليه ، والمآب : المرجع ، يقال : آب يؤوب ؛ إذا رجع ، والطاغي : هو من طغى بالكفر ، و «للطاغين» نعت «لمرصادا» متعلق بمحذوف ، و «مآبا» بدل من «مرصادا» ، ويجوز أن يكون للطاغين في محل نصب على الحال من «مآبا» قدّمت عليه لكونه نكرة ، وانتصاب (لابِثِينَ فِيها) على الحال المقدّرة من الضمير المستكنّ في الطاغين. قرأ الجمهور : (لابِثِينَ) بالألف. وقرأ حمزة والكسائي : «لبثين» بدون ألف ، وانتصاب (أَحْقاباً) على الظرفية ، أي : ماكثين في النار ما دامت الأحقاب ، وهي لا تنقطع ، وكلما مضى حقب جاء حقب ، وهي جمع حقب بضمتين ، وهو الدهر ، والأحقاب : الدهور ، والحقب بضم الحاء وسكون القاف : قيل : هو ثمانون سنة ، وحكى الواحدي عن المفسرين أنه بضع وثمانون سنة ، السنة ثلاثمائة وستون يوما ، اليوم ألف سنة من أيام الدنيا. وقيل : الأحقاب : وقت لشربهم الحميم والغساق ، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العذاب ، وقال السدّي : الحقب سبعون سنة. وقال بشير بن كعب : ثلاثمائة سنة. وقال ابن عمر : أربعون سنة ، وقيل : ثلاثون ألف سنة. قال الحسن : الأحقاب لا يدري أحدكم هي ، ولكن ذكروا أنها مائة حقب ، والحقب الواحد منها سبعون ألف سنة ، اليوم منها كألف سنة. وقيل : الآية محمولة على العصاة الذين يخرجون من النار ، والأولى ما ذكرناه أوّلا من أن المقصود بالآية التأبيد لا التقييد. وحكى الواحدي : عن الحسن أنه قال : والله ما هي إلا أنه إذا مضى حقب دخل آخر ، ثم كذلك إلى الأبد ، وجملة (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً ـ إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) مستأنفة لبيان ما اشتملت عليه من أنهم لا يذوقون في جهنم أو في الأحقاب بردا ينفعهم من حرّها ولا شرابا ينفعهم من عطشها إلا حميما ، وهو الماء الحارّ ، وغساقا وهو صديد أهل النار. ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير الطاغين ، أو صفة للأحقاب ، والاستثناء منقطع عند من جعل البرد النوم ، ويجوز أن يكون متصلا من قوله : (شَراباً) وقال مجاهد والسدّي وأبو عبيدة والكسائي والفضل بن خالد وأبو معاذ النحوي : البرد المذكور في هذه الآية هو النوم ، ومنه قول الكندي :
بردت مراشفها عليّ فصدّني |
|
عنها وعن تقبيلها البرد |
أي : النوم. قال الزجاج : أي : لا يذوقون فيها برد ريح ولا ظل ولا نوم ، فجعل البرد يشمل هذه الأمور. وقال الحسن وعطاء وابن زيد : بردا ، أي : روحا وراحة. قرأ الجمهور : (غَسَّاقاً) بالتخفيف. وقرأ حمزة والكسائي بتشديد السين ، وقد تقدّم تفسيره وتفسير الحميم والخلاف فيهما في سورة ص (جَزاءً وِفاقاً) أي : موافقا لأعمالهم ، وجزاء منتصب على المصدر ، ووفاقا نعت له. قال الفرّاء والأخفش : جازيناهم جزاء