وافق أعمالهم ، قال الزجاج : جوزوا جزاء وافق أعمالهم. قال الفرّاء : الوفاق : جمع الوفق ، والوفق والموافق (١) واحد. قال مقاتل : وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الشرك ولا عذاب أعظم من النار. وقال الحسن وعكرمة : كانت أعمالهم سيئة ، فأتاهم الله بما يسوءهم (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) أي : لا يرجون ثواب حساب. قال الزجاج : كانوا لا يؤمنون بالبعث فيرجون حسابهم ، والجملة تعليل لاستحقاقهم الجزاء المذكور (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) أي : كذّبوا بالآيات القرآنية ، أو كذّبوا بما هو أعم منها تكذيبا شديدا ، وفعال من مصادر التفعل. قال الفرّاء : هي لغة فصيحة يمانية ، تقول : كذبت كذابا ، وخرقت القميص خراقا. قال في الصحاح : وكذبوا بآياتنا كذابا هو أحد مصادر المشدّد ؛ لأن مصدره قد يجيء على تفعيل مثل التكليم ، وعلى فعّال مثل كذّاب ، وعلى تفعلة مثل توصية ، وعلى مفعّل مثل (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) قرأ الجمهور : (كِذَّاباً) بالتشديد. وقرأ عليّ بن أبي طالب بالتخفيف. وقال أبو عليّ الفارسي التخفيف والتشديد جميعا مصدر المكاذبة. وقرأ ابن عمر «كذّابا» بضم الكاف والتشديد ، جمع كاذب. قال أبو حاتم ونصبه على الحال. قال الزمخشري : وقد يكون يعني على هذه القراءة بمعنى الواحد البليغ في الكذب ، تقول : رجل كذّاب كقولك حسّان وبخّال (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) قرأ الجمهور : (وَكُلَ) بالنصب على الاشتغال ، أي : وأحصينا كل شيء أحصيناه. وقرأ أبو السّمّال برفعه على الابتداء ، وما بعده خبره ، وهذه الجملة معترضة بين السبب والمسبب ، وانتصاب «كتابا» على المصدرية لأحصيناه ؛ لأن أحصيناه في معنى كتبناه ، وقيل : هو منتصب على الحال ، أي : مكتوبا ، قيل : المراد كتبناه في اللوح المحفوظ لتعرفه الملائكة ، وقيل : أراد ما كتبه الحفظة على العباد من أعمالهم ، وقيل : المراد به العلم لأن ما كتب كان أبعد من النسيان ، والأوّل أولى لقوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (٢) (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) هذه الجملة مسببة عن كفرهم وتكذيبهم بالآيات. قال الرّازي : هذه الفاء للجزاء ، فنبه على أن الأمر بالذوق معلل بما تقدّم شرحه من قبائح أفعالهم ؛ ومن الزيادة في عذابهم أنها كلما نضجت جلودهم بدّلهم جلودا غيرها. وكلما خبت النار زادهم الله سعيرا.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) قال : القرآن : وهذا مرويّ عن جماعة من التابعين ، وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) قال : مضيئا (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ) قال : السحاب (ماءً ثَجَّاجاً) قال : منصبّا. وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر عنه أيضا (ثَجَّاجاً) قال : منصبّا. وأخرج الشافعي وسعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) قال : يبعث الله الريح ، فتحمل الماء فيمرّ به السحاب ، فتدرّ كما تدرّ اللقحة ، والثجاج ينزل من السماء أمثال
__________________
(١). في تفسير القرطبي (١٩ / ١٨١) : اللفق.
(٢). يس : ١٢.