الشام. وقال قتادة : هي جهنم ، أي : فإذا هؤلاء الكفار في جهنم ، وإنما قيل : لها ساهرة لأنهم لا ينامون فيها لاستمرار عذابهم. وجملة (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) مستأنفة مسوقة لتسلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن تكذيب قومه ، وأنه يصيبهم مثل ما أصاب من كان قبلهم ممّن هو أقوى منهم ، ومعنى (هَلْ أَتاكَ) : قد جاءك وبلغك ، هذا على تقدير أن قد سمع من قصص فرعون وموسى ما يعرف به حديثهما ، وعلى تقدير أن هذا ما نزل عليه في شأنهما ؛ فيكون المعنى على الاستفهام ، أي : هل أتاك حديثه أنا أخبرك به (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) الظرف متعلق بحديث لا بأتاك لاختلاف وقتيهما ، وقد مضى من خبر موسى وفرعون في غير موضع ما فيه كفاية ، وقد تقدّم الاختلاف بين القرّاء في طوى في سورة طه. والواد المقدّس : المبارك المطهر. قال الفراء : طوى واد بين المدينة ومصر. قال : وهو معدول من طاو ، كما عدل عمر من عامر. قال : والصرف أحبّ إذ لم أجد في المعدول نظيرا له. وقيل : طوى معناه يا رجل بالعبرانية ، فكأنه قيل يا رجل اذهب ، وقيل : المعنى : إن الوادي المقدّس بورك فيه مرتين ، والأوّل أولى. وقد مضى تحقيق القول فيه (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) قيل : هو على تقدير القول ، وقيل : هو تفسير للنداء ، أي : ناداه نداء هو قوله : اذهب. وقيل : هو على حذف أن المفسرة ، ويؤيده قراءة ابن مسعود أن اذهب ؛ لأن في النداء معنى القول ، وجملة (إِنَّهُ طَغى) تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال ، أي : جاوز الحدّ في العصيان والتكبر والكفر بالله (فَقُلْ) له (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) أي : قل له بعد وصولك إليه : هل لك رغبة إلى التزكي؟ وهو التطهر من الشرك ، وأصله تتزكى فحذفت إحدى التاءين. قرأ الجمهور : (تَزَكَّى) بالتخفيف. وقرأ نافع وابن كثير بتشديد الزاي على إدغام التاء في الزاي. قال أبو عمرو بن العلاء : معنى قراءة التخفيف تكون زكيا مؤمنا ، ومعنى قراءة التشديد الصدقة ، وفي الكلام مبتدأ مقدّر يتعلق به إلى ، والتقدير : هل لك رغبة أو هل بك توجه أو هل لك سبيل إلى التزكي ، ومثل هذا قولهم : هل لك في الخير؟ يريدون : هل لك رغبة في الخير ، ومن هذا قول الشاعر (١) :
فهل لكم فيها إليّ فإنّني |
|
طبيب بما أعيا النطاسيّ حذيما (٢) |
(وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) أي : أرشدك إلى عبادته وتوحيده فتخشى عقابه ، والفاء لترتيب الخشية على الهداية ؛ لأن الخشية لا تكون إلا من مهتد راشد (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) هذه الفاء هي الفصيحة لإفصاحها عن كلام محذوف ، يعني : فذهب فقال له ما قال مما حكاه الله في غير موضع ، وأجاب عليه بما أجاب إلى أن قال : (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها) (٣) فعند ذلك أراه الآية الكبرى.
واختلف في الآية الكبرى ما هي؟ فقيل : يده ، وقيل : فلق البحر ، وقيل : هي جميع ما جاء به من الآيات التسع (فَكَذَّبَ وَعَصى) أي : فلما أراه الآية الكبرى كذّب بموسى وبما جاء به ، وعصى الله عزّ
__________________
(١). هو أوس بن أوس.
(٢). أي : ابن حذيم.
(٣). الأعراف : ١٠٦.