مسوقة لبيان سبب الفرار. قال ابن قتيبة : (يُغْنِيهِ) أي : يصرفه عن قرابته ، ومنه يقال : أغن عني وجهك ، أي : اصرفه. قرأ الجمهور : «يغنيه» بالغين المعجمة. وقرأ ابن محيصن بالعين المهملة مع فتح الياء ، أي : يهمه ، من عناه الأمر إذا أهمه (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) وجوه مبتدأ وإن كان نكرة ؛ لأنه في مقام التفصيل ، وهو من مسوّغات الابتداء بالنكرة ، و «يومئذ» متعلق به ، و «مسفرة» خبره ، ومعنى مسفرة : مشرقة مضيئة ، وهي وجوه المؤمنين لأنهم قد علموا إذ ذاك ما لهم من النعيم والكرامة ، يقال : أسفر الصبح ؛ إذا أضاء. قال الضحاك : مسفرة من آثار الوضوء ، وقيل : من قيام الليل (ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) أي : فرحة بما نالته من الثواب الجزيل. ثم لما فرغ من ذكر حال المؤمنين ذكر حال الكفار فقال : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ) أي : غبار وكدورة لما تراه مما أعدّه الله لها من العذاب (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) أي : يغشاها ويعلوها سواد وكسوف ، وقيل : ذلّة ، وقيل : شدّة ، والقتر في كلام العرب : الغبار ، كذا قال أبو عبيدة ، وأنشد قول الفرزدق :
متوّج برداء الملك يتبعه |
|
موج ترى فوقه الرايات والقترا |
ويدفع ما قاله أبو عبيدة تقدم ذكر الغبرة فإنها واحدة الغبار. وقال زيد بن أسلم : القترة ما ارتفعت إلى السماء ، والغبرة ما انحطت إلى الأرض (أُولئِكَ) يعني أصحاب الوجوه (هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) أي : الجامعون بين الكفر بالله والفجور ، يقال : فجر ؛ أي فسق ، وفجر ، أي : كذب ، وأصله الميل ، والفاجر : المائل عن الحق.
وقد أخرج الترمذي وحسّنه ، وابن المنذر وابن حبان ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن عائشة قالت : «أنزلت عبس وتولى في ابن أمّ مكتوم الأعمى ، أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجعل يقول : يا رسول الله أرشدني وعند رسول الله صلىاللهعليهوسلم رجل من عظماء المشركين ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعرض عنه ويقبل على الآخر ويقول : «أترى بما أقول بأسا؟» فيقول : لا ، ففي هذا أنزلت». وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو يعلى عن أنس قال : «جاء بن أمّ مكتوم ، وهو يكلم أبيّ بن خلف ، فأعرض عنه ، فأنزل الله (عَبَسَ وَتَوَلَّى ـ أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) فكان النبي صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك يكرمه». وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال : «بينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يناجي عتبة بن ربيعة والعباس بن عبد المطلب وأبا جهل بن هشام ، وكان يتصدى لهم كثيرا ، ويحرص عليهم أن يؤمنوا ، فأقبل عليهم رجل أعمى يقال له عبد الله بن أمّ مكتوم يمشي ، وهو يناجيهم ، فجعل عبد الله يستقرئ النبي صلىاللهعليهوسلم آية من القرآن قال : يا رسول الله علمني مما علمك الله ، فأعرض عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعبس في وجهه وتولى ، وكره كلامه ، وأقبل على الآخرين ، فلما قضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم نجواه ، وأخذ ينقلب إلى أهله أمسك الله ببعض بصره ، ثم خفق برأسه ، ثم أنزل الله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) الآية ، فلما نزل فيه ما نزل أكرمه نبي الله صلىاللهعليهوسلم وكلمه وقال له : «ما حاجتك؟ هل تريد مني شيء»؟ وإذا ذهب من عنده قال : «هل لك حاجة في شيء»؟ قال ابن كثير : فيه غرابة ، وقد تكلم في إسناده. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) قال : كتبة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي