على الأرض ، وقيل : انكدارها : طمس نورها (وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) أي : قلعت عن الأرض ، وسيرت في الهواء ، ومنه قوله : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) (١). (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) العشار : النوق الحوامل التي في بطونها أولادها ، الواحدة عشراء ، وهي التي قد أتى عليها في الحمل عشرة أشهر ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع. وخصّ العشار لأنها أنفس مال عند العرب ، وأعزّه عندهم ، ومعنى «عطّلت» : تركت هملا بلا راع ؛ وذلك لما شاهدوا من الهول العظيم ، قيل : وهذا على وجه المثل لأن يوم القيامة لا تكون فيه ناقة عشراء ، بل المراد أنه لو كان للرجل ناقة عشراء في ذلك اليوم أو نوق عشار لتركها ولم يلتفت إليها ؛ اشتغالا بما هو فيه من هول يوم القيامة ، وسيأتي آخر البحث إن شاء الله ما يفيد أن هذا في الدنيا. وقيل : العشار : السحاب ، فإن العرب تشبهها بالحامل ، ومنه قوله : (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) (٢) وتعطيلها عدم إمطارها. قرأ الجمهور : «عطلت» بالتشديد ، وقرأ ابن كثير في رواية عنه بالتخفيف. وقيل : المراد أن الديار تعطّل فلا تسكن ، وقيل : الأرض التي يعشّر زرعها تعطّل فلا تزرع (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) الوحوش : ما توحّش من دوابّ البرّ ، ومعنى حشرت : بعثت حتى يقتصّ بعضها من بعض ، فيقتصّ للجماء من القرناء. وقيل : حشرها : موتها ، وقيل : إنها مع نفرتها اليوم من الناس وتبدّدها في الصحارى تضم ذلك اليوم إليهم. قرأ الجمهور : «حشرت» بالتخفيف ، وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون بالتشديد (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) أي : أو قدت فصارت نارا تضطرم. وقال الفراء : ملئت بأن صارت بحرا واحدا وكثر ماؤها ، وبه قال الربيع بن خثيم والكلبي ومقاتل والحسن والضحاك. وقيل : أرسل عذبها على مالحها ومالحها على عذبها حتى امتلأت ، وقيل : فجرت فصارت بحرا واحدا. وروي عن قتادة وابن حبان أن معنى الآية : يبست ولا يبقى فيها قطرة ، يقال : سجرت الحوض أسجره سجرا ؛ إذا ملأته. وقال القشيري : هو من سجرت التنوّر أسجره سجرا ؛ إذا أحميته. قال ابن زيد وعطية وسفيان ووهب وغيرهم : أوقدت فصارت نارا ، وقيل : معنى سجرت أنها صارت حمراء كالدم ، من قولهم عين سجراء ، أي : حمراء. قرأ الجمهور : «سجرت» بتشديد الجيم ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيفها ، (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) أي : قرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة ، وقرن بين رجل السوء مع رجل السوء في النار. وقال عطاء : زوّجت نفوس المؤمنين بالحور العين ، وقرنت نفوس الكافرين بالشياطين. وقيل : قرن كل شكل إلى شكله في العمل ، وهو راجع إلى القول الأوّل. وقيل : قرن كل رجل إلى من كان يلازمه من ملك أو سلطان ، كما في قوله : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ) (٣) وقال عكرمة (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) : يعني قرنت الأرواح بالأجساد. وقال الحسن : ألحق كل امرئ بشيعته ؛ اليهود باليهود ، والنصارى بالنصارى ، والمجوس بالمجوس ، وكل من كان يعبد شيئا من دون الله يلحق بعضهم ببعض والمنافقون بالمنافقين ، والمؤمنون بالمؤمنين. وقيل : يقرن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان ، ويقرن المطيع بمن دعاه
__________________
(١). الكهف : ٤٧.
(٢). الذاريات : ٢.
(٣). الصافات : ٢٢.