إلى الطاعة من الأنبياء والمؤمنين. وقيل : قرنت النفوس بأعمالها (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) أي : المدفونة حية ، وقد كان العرب إذا ولدت لأحدهم بنت دفنها حية مخافة العار أو الحاجة ، يقال : وأد يئد وأدا فهو وائد ، والمفعول به موءود ، وأصله مأخوذ من الثقل لأنها تدفن ، فيطرح عليها التراب فيثقلها فتموت ، ومنه : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) (١) أي : لا يثقله ، ومنه قول متمّم بن نويرة :
وموءودة مقبورة في مفازة (٢)
ومنه قول الراجز :
سمّيتها إذ ولدت تموت |
|
والقبر صهر ضامن رميت |
قرأ الجمهور : «الموءودة» بهمزة بين واوين ساكنين كالموعودة. وقرأ البزي في رواية عنه بهمزة مضمومة ثم واو ساكنة. وقرأ الأعمش : «المودة» بزنة الموزة. وقرأ الجمهور : «سئلت» مبنيا للمفعول ، وقرأ الحسن بكسر السين من سال يسيل. وقرأ الجمهور : «قتلت» بالتخفيف مبنيا للمفعول ، وقرأ أبو جعفر بالتشديد على التكثير. وقرأ عليّ وابن مسعود وابن عباس سألت مبنيا للفاعل «قتلت» بضم التاء الأخيرة. ومعنى «سئلت» على قراءة الجمهور : أن توجيه السؤال إليها لإظهار كمال الغيظ على قاتلها حتى كان لا يستحق أن يخاطب ويسأل عن ذلك ، وفيه تبكيت لقاتلها وتوبيخ له شديد. قال الحسن : أراد الله أن يوبّخ قاتلها لأنها قتلت بغير ذنب ، وفي مصحف أبيّ «وإذا الموءودة سألت بأيّ ذنب قتلتني». (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) يعني صحائف الأعمال نشرت للحساب ، لأنها تطوى عند الموت وتنشر عند الحساب ، فيقف كل إنسان على صحيفته فيعلم ما فيها ، فيقول : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) (٣) قرأ نافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو : «نشرت» بالتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد على التكثير. (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) الكشط : قلع عن شدّة التزاق ، [فالسماء تكشط كما] (٤) يكشط الجلد عن الكبش ، والقشط بالقاف لغة في الكشط ، قال الزجاج : قلعت كما يقلع السقف. وقال الفراء : نزعت فطويت. وقال مقاتل : كشفت عما فيها. قال الواحدي : ومعنى الكشط رفعك شيئا عن شيء قد غطاه (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ) أي : أوقدت لأعداء الله إيقادا شديدا. قرأ الجمهور : «سعرت» بالتخفيف ، وقرأ نافع وابن ذكوان وحفص بالتشديد لأنها أوقدت مرّة بعد مرّة. قال قتادة : سعّرها غضب الله وخطايا بني آدم (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) أي : قرّبت إلى المتقين وأدنيت منهم. قال الحسن : إنهم يقربون منها لا أنها تزول عن موضعها. وقال ابن زيد : معنى أزلفت تزيّنت. والأوّل أولى لأن الزلفى في كلام العرب القرب. قيل : هذه الأمور الاثنا عشر ؛ ستّ منها في الدنيا ، وهي من أوّل السورة إلى قوله : (وَإِذَا الْبِحارُ
__________________
(١). البقرة : ٢٥٥.
(٢). وعجز البيت : بآمتها موسودة لم يمهّد.
(٣). الكهف : ٤٩.
(٤). من تفسير القرطبي (١٩ / ٢٣٥)