سُجِّرَتْ) ، وستّ في الآخرة وهي : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) إلى هنا ، وجواب الجميع قوله : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) على أن المراد الزمان الممتدّ من الدنيا إلى الآخرة ، لكن لا بمعنى أنها تعلم ما تعلم في كلّ جزء من أجزاء هذا الوقت الممتدّ ، بل المراد علمت ما أحضرته عند نشر الصحف ، يعني ما عملت من خير أو شرّ ، ومعنى (ما أَحْضَرَتْ) : ما أحضرت من أعمالها ، والمراد حضور صحائف الأعمال ، أو حضور الأعمال نفسها ، كما ورد أن الأعمال تصوّر بصور تدلّ عليها وتعرف بها ، وتنكير «نفس» المفيد لثبوت العلم المذكور لفرد من النفوس ، أو لبعض منها للإيذان بأن ثبوته لجميع أفرادها من الظهور والوضوح بحيث لا يخفى على أحد ، ويدلّ على هذا قوله : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً) (١) وقيل : يجوز أن يكون ذلك للإشعار بأنه إذا علمت حينئذ نفس من النفوس ما أحضرت وجب على كلّ نفس إصلاح عملها مخافة أن تكون هي تلك التي علمت ما أحضرت ، فكيف وكلّ نفس تعلمه على طريقة قولك لمن تنصحه : لعلك ستندم على ما فعلت ، وربما ندم الإنسان على فعله (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) «لا» زائدة كما تقدّم تحقيقه وتحقيق ما فيه من الأقوال في أوّل سورة القيامة ، أي : فأقسم بالخنس ، وهي الكواكب ؛ وسميت الخنس من خنس ؛ إذا تأخر ؛ لأنها تخنس بالنهار فتخفى ولا ترى ، وهي زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد كما ذكره أهل التفسير. ووجه تخصيصها بالذكر من بين سائر النجوم أنها تستقبل الشمس وتقطع المجرة. وقال في الصحاح : الخنس : الكواكب كلها ؛ لأنها تخنس في المغيب ، أو لأنها تخفى نهارا ، أو يقال هي الكواكب السيارة منها دون الثابتة. قال الفراء : إنها الكواكب الخمسة المذكورة ، لأنها تخنس في مجراها ، وتكنس ، أي : تستر كما تكنس الظباء في المغار ، ويقال : سمّيت خنسا لتأخّرها ؛ لأنها الكواكب المتحيزة التي ترجع وتستقيم. يقال : خنس عنه يخنس خنوسا ؛ إذا تأخر ، وأخنسه غيره ؛ إذا خلفه ومضى عنه ، والخنس : تأخر الأنف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة ، ومعنى (الْجَوارِ) أنها تجري مع الشمس والقمر ، ومعنى (الْكُنَّسِ) أنها ترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس ؛ فخنوسها رجوعها ، وكنوسها اختفاؤها تحت ضوئها ، وقيل : خنوسها : خفاؤها بالنهار ، وكنوسها : غروبها. قال الحسن وقتادة : هي النجوم التي تخنس بالنهار وإذا غربت ، والمعنى متقارب لأنها تتأخر في النهار عن البصر لخفائها فلا ترى ، وتظهر بالليل وتكنس في وقت غروبها. وقيل : المراد بها بقر الوحش لأنها تتصف بالخنس وبالجوار وبالكنس. وقال عكرمة : الخنس : البقر والكنس الظباء ، فهي تخنس إذا رأت الإنسان وتنقبض وتتأخر وتدخل كناسها. وقيل : هي الملائكة. والأوّل أولى لذكر الليل والصبح بعد هذا ، والكنس مأخوذ من الكناس الّذي يختفي فيه الوحش ، والخنس : جمع خانس وخانسة ، والكنس : جمع كانس وكانسة (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) قال أهل اللغة : هو من الأضداد ، يقال : عسعس الليل ؛ إذا أقبل ، وعسعس ؛ إذا أدبر ، ويدل على أن المراد هنا أدبر قوله : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) قال الفراء : أجمع المفسرون على أن معنى عسعس أدبر ، كذا حكاه عنه الجوهري ، وقال الحسن :
__________________
(١). آل عمران : ٣٠.