تريد إلى أيّ الأرض تذهب ، فحذف إلى (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) أي : ما القرآن إلا موعظة للخلق أجمعين ، وتذكير لهم ، وقوله : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) بدل من العالمين بإعادة الجار ومفعول المشيئة «أن يستقيم» أي : لمن شاء منكم الاستقامة على الحقّ والإيمان والطاعة (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي : وما تشاؤون الاستقامة إلا أن يشاء الله تلك المشيئة ، فأعلمهم سبحانه أن المشيئة في التوفيق إليه ، وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله وتوفيقه ، ومثل هذا قوله سبحانه : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (١) وقوله : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (٢) وقوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٣) والآيات القرآنية في هذا المعنى كثيرة.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس في قوله : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) قال : أظلمت (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) قال : تغيرت. وأخرج ابن أبي حاتم والديلمي عن أبي مريم أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال في قوله : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) قال : كوّرت في جهنم (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) قال : انكدرت في جهنم ، فكلّ من عبد من دون الله فهو في جهنم ، إلا ما كان من عيسى وأمه ، ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي العالية قال : ست آيات من هذه السورة في الدنيا ، والناس ينظرون إليها ، وست في الآخرة (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) إلى (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) هذه في الدنيا والناس ينظرون إليها (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) إلى (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) هذه في الآخرة. وأخرج ابن أبي الدنيا في الأهوال ، وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب قال : ست آيات قبل يوم القيامة بينما الناس في أسواقهم ؛ إذ ذهب ضوء الشمس ، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت واختلطت ، ففزعت الجنّ إلى الإنس والإنس إلى الجنّ ، واختلطت الدوابّ والطير والوحش فماجوا بعضهم في بعض (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) قال : اختلطت (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ) قال : أهملها أهلها (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) قال : قالت الجن للإنس : نحن نأتيكم بالخبر ، فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجّج ، فبينما هم كذلك إذ تصدّعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة وإلى السماء السابعة ، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم ريح فأماتتهم. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) قال : حشر البهائم : موتها ، وحشر كلّ شيء الموت غير الجنّ والإنس فإنهما يوافيان يوم القيامة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم ، والخطيب في المتفق والمفترق ، عنه في قوله : (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) قال : يحشر كل شيء يوم القيامة حتى أن الدوابّ لتحشر. وأخرج البيهقي في البعث عنه أيضا في قوله : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) قال : تسجر حتى تصير نارا. وأخرج الطبراني عنه (سُجِّرَتْ) قال : اختلط ماؤها بماء الأرض. وأخرج عبد الرزاق والفريابي
__________________
(١). يونس : ١٠٠.
(٢). الأنعام : ١١١.
(٣). القصص : ٥٦.