البرج : الظهور ، سمّيت بذلك لظهورها (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) أي : الموعود به ، وهو يوم القيامة. قال الواحدي : في قول جميع المفسرين (وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) المراد بالشاهد من يشهد في ذلك اليوم من الخلائق ، أي : يحضر فيه ، والمراد بالمشهود ما يشاهد في ذلك اليوم من العجائب وذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الشاهد يوم الجمعة ، وأنه يشهد على كل عامل بما عمل فيه ، والمشهود : يوم عرفة ؛ لأنه يشهد الناس فيه موسم الحج ، وتحضره الملائكة. قال الواحدي : وهذا قول الأكثر. وحكى القشيري عن ابن عمر وابن الزبير أن الشاهد يوم الأضحى. وقال سعيد بن المسيب : الشاهد : يوم التروية ، والمشهود : يوم عرفة. وقال النخعي : الشاهد : يوم عرفة ، والمشهود : يوم النحر ، وقيل : الشاهد : هو الله سبحانه. وبه قال الحسن وسعيد بن جبير ، لقوله : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) وقوله : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (١) وقيل : الشاهد : محمد صلىاللهعليهوسلم لقوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (٢) وقوله : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) (٣) وقوله : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (٤) وقيل : الشاهد : جميع الأنبياء لقوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) (٥) وقيل : هو عيسى ابن مريم لقوله : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) (٦) والمشهود على هذه الأقوال الثلاثة إما : أمة محمد ، أو : أمم الأنبياء ، أو : أمة عيسى. وقيل : الشاهد آدم. والمشهود ذريته. وقال محمد بن كعب : الشاهد : الإنسان لقوله : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (٧) وقال مقاتل : أعضاؤه لقوله : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٨) وقال الحسين بن الفضل : الشاهد : هذه الأمة ، والمشهود : سائر الأمم لقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (٩) وقيل : الشاهد : الحفظة ، والمشهود : بنو آدم ، وقيل : الأيام والليالي. وقيل : الشاهد : الخلق يشهدون لله عزوجل بالوحدانية ، والمشهود له بالوحدانية : هو الله سبحانه ، وسيأتي بيان ما ورد في تفسير الشاهد والمشهود ، وبيان ما هو الحقّ إن شاء الله (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) هذا جواب القسم ، واللام فيه مضمرة ، وهو الظاهر ، وبه قال الفراء وغيره ، وقيل تقديره : لقد قتل ، فحذفت اللام وقد ، وعلى هذا تكون الجملة خبرية ، والظاهر أنها دعائية ؛ لأن معنى قتل لعن. قال الواحدي : في قول الجميع ، والدعائية لا تكون جوابا للقسم ، فقيل : الجواب قوله : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ) وقيل : قوله : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) وبه قال المبرد ، واعترض عليه بطول الفصل ، وقيل : هو مقدّر يدلّ عليه قوله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) كأنه قال : أقسم بهذه الأشياء أن كفار قريش ملعونون كما لعن أصحاب الأخدود ، وقيل : تقدير الجواب : لتبعثنّ ، واختاره ابن الأنباري. وقال أبو حاتم السجستاني وابن الأنباري أيضا : في الكلام تقديم وتأخير ، أي : قتل أصحاب الأخدود والسماء ذات البروج ، واعترض عليه بأنه لا يجوز أن
__________________
(١). الأنعام : ١٩.
(٢). النساء : ٤١.
(٣). الأحزاب : ٤٥.
(٤). البقرة : ١٤٣.
(٥). النساء : ٤١.
(٦). المائدة : ١١٧.
(٧). الإسراء : ١٤.
(٨). النور : ٢٤.
(٩). البقرة : ١٤٣.