يقال : والله قام زيد ، والأخدود : الشقّ العظيم المستطيل في الأرض كالخندق ، وجمعه أخاديد ، ومنه الخدّ لمجاري الدموع ، والمخدة لأن الخد يوضع عليها ، ويقال : تخدّد وجه الرجل ؛ إذا صارت فيه أخاديد من خراج ، ومنه قول طرفة :
ووجه كأنّ الشمس ألقت رداءها |
|
عليه نقيّ اللون لم يتخدّد |
وسيأتي بيان حديث أصحاب الأخدود إن شاء الله. قرأ الجمهور : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) بجر النار على أنها بدل اشتمال من الأخدود ؛ لأن الأخدود مشتمل عليها ، وذات الوقود وصف لها بأنها نار عظيمة ، والوقود : الحطب الّذي توقد به ، وقيل : هو بدل كل من كل ، لا بدل اشتمال. وقيل : إن النار مخفوضة على الجوار ، كذا حكى مكي عن الكوفيين. وقرأ الجمهور بفتح الواو من الوقود ، وقرأ قتادة وأبو رجاء ونصر ابن عاصم بضمها. وقرأ أشهب العقيلي وأبو حيوة وأبو السّمّال العدوي وابن السّميقع وعيسى برفع النار على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أي : هي النار ، أو على أنها فاعل فعل محذوف ، أي : أحرقتهم النار (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ) العامل في الظرف «قتل» أي : لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين على ما يدنو منها ، ويقرب إليها. قال مقاتل : يعني عند النار قعود يعرضونهم على الكفر. وقال مجاهد : كانوا قعودا على الكراسي عند الأخدود (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) أي : الذين خدّوا الأخدود ، وهم الملك وأصحابه ، على ما يفعلون بالمؤمنين من عرضهم على النار ليرجعوا إلى دينهم شهود ، أي : حضور ، أو يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأنه لم يقصر فيما أمر به. وقيل : يشهدون بما فعلوا يوم القيامة ، ثم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم. وقيل : على بمعنى مع ، والتقدير : وهم مع ما يفعلون بالمؤمنين شهود. قال الزجاج : أعلم الله قصة قوم بلغت بصيرتهم وحقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على أن يحرقوا بالنار في الله (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ) أي : ما أنكروا عليهم ولا عابوا منهم (إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) أي : إلا أن صدّقوا بالله الغالب المحمود في كل حال. قال الزجاج : ما أنكروا عليهم ذنبا إلا إيمانهم ، وهذا كقوله : (هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ) (١) وهذا من تأكيد المدح بما يشبه الذّمّ ، كما في قوله :
لا عيب فيهم سوى أنّ النزيل بهم |
|
يسلو عن الأهل والأوطان والحشم |
وقول الآخر :
ولا عيب فيها غير شكلة عينها |
|
كذاك عتاق الطّير شكل عيونها |
قرأ الجمهور : (نَقَمُوا) بفتح النون ، وقرأ أبو حيوة بكسرها ، والفصيح الفتح. ثم وصف سبحانه نفسه بما يدلّ على العظم والفخامة فقال : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ومن كان هذا شأنه ، فهو حقيق بأن يؤمن به ويوحد (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) من فعلهم بالمؤمنين لا يخفى عليه منهم خافية ،
__________________
(١). المائدة : ٥٩.