تفرض زكاة الفطر وصلاة العيد إلا بالمدينة (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) هذا إضراب عن كلام مقدّر يدل عليه السياق ، أي : لا تفعلون ذلك بل تؤثرون اللذات الفانية في الدنيا ، قرأ الجمهور (تُؤْثِرُونَ) بالفوقية على الخطاب ، ويؤيدها قراءة أبيّ «بل أنتم تؤثرون» ، وقرأ أبو عمرو بالتحتية على الغيبة. قيل : والمراد بالآية الكفرة ، والمراد بإيثار الحياة الدنيا هو الرضا بها والاطمئنان إليها والإعراض عن الآخرة بالكلية ، وقيل : المراد بها جميع الناس من مؤمن وكافر ، والمراد بإيثارها ما هو أعمّ من ذلك مما لا يخلو عنه غالب الناس من تأثير جانب الدنيا على الآخرة ، والتوجّه إلى تحصيل منافعها والاهتمام بها اهتماما زائدا على اهتمامه بالطاعات. وجملة (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) في محل نصب على الحال من فاعل تؤثرون ، أي : والحال أن الدار الآخرة التي هي الجنة أفضل وأدوم من الدنيا. قال مالك بن دينار : لو كانت الدنيا من ذهب يفنى ، والآخرة من خزف يبقى ؛ لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى على ذهب يفنى ، فكيف والآخرة من ذهب يبقى ، والدنيا من خزف يفنى؟. والإشارة بقوله : (إِنَّ هذا) إلى ما تقدّم من فلاح من تزكى وما بعده ، وقيل إنه إشارة إلى جميع السورة ، ومعنى (لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) أي : ثابت فيها ، وقوله : (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) بدل من الصحف الأولى. قال قتادة وابن زيد : يريد بقوله : (إِنَّ هذا) : والآخرة خير وأبقى. وقالا : تتابعت كتب الله عزوجل أنّ الآخرة خير وأبقى من الدنيا. وقال الحسن : تتابعت كتب الله جلّ ثناؤه إن هذا لفي الصحف الأولى ، وهو قوله : (قَدْ أَفْلَحَ) إلى آخر السورة. قرأ الجمهور : (لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ) بضم الحاء في الموضعين ، وقرأ الأعمش وهارون وأبو عمرو في رواية عنه بسكونها فيهما ، وقرأ الجمهور : (إِبْراهِيمَ) بالألف بعد الراء وبالياء بعد الهاء. وقرأ أبو رجاء بحذفهما وفتح الهاء ، وقرأ أبو موسى وابن الزبير «إبراهام» بألفين.
وقد أخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن عقبة بن عامر الجهني قال : «لما نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اجعلوها في ركوعكم ، فلما نزلت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال : اجعلوها في سجودكم» ولا مطعن في إسناده. وأخرج أحمد وأبو داود والطبراني وابن مردويه ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس : «أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى قال : سبحان ربي الأعلى» : قال أبو داود : خولف فيه وكيع ، فرواه شعبة عن أبي إسحاق عن سعيد عن ابن عباس موقوفا. وأخرجه موقوفا أيضا عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ سبح اسم ربك الأعلى قال : سبحان ربي الأعلى وفي لفظ لعبد بن حميد عنه قال : «إذا قرأت سبح اسم ربك الأعلى فقل : سبحان ربي الأعلى». وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن الأنباري في «المصاحف» عن عليّ بن أبي طالب أنه قرأ : سبح اسم ربك الأعلى ، فقال : سبحان ربي الأعلى وهو في الصلاة ، فقيل له : أتزيد في القرآن؟ قال : لا ، إنما أمرنا بشيء فقلته. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن أبي موسى الأشعري أنه قرأ في الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى فقال : سبحان ربي الأعلى. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، والحاكم